السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَوۡلَآ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

{ ولولا أن تصيبهم } أي : في وقت من الأوقات { مصيبة } أي : عظيمة { بما قدّمت أيديهم } أي : من المعاصي التي قضينا بأنها مما لا يعفى عنها { فيقولوا ربنا } أي : أيها المحسن إلينا { لولا } أي : هلا ولم لا { أرسلت إلينا } أي : على وجه التشريف لنا لنكون على علم بأنا ممن يعتني الملك الأعلى به { رسولاً } وأجاب التحضيض الذي شبهوه بالأمر ليكون كل منهما باعثاً على الفعل بقوله تعالى : { فنتّبع } أي : فيتسبب عن إرسال رسولك أن نتبع { آياتك ونكون } أي : كوناً هو في غاية الرسوخ { من المؤمنين } أي : المصدقين لك في كل ما أتى به عنك رسولك .

تنبيه ( لولا ) الأولى : امتناعية وجوابها محذوف تقديره كما قال الزجاج ما أرسلنا إليهم رسولاً يعني أنّ الحامل على إرسال الرسل إزاحة عللهم بهذا القول فهو كقوله تعالى : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } ( النساء : 165 ) والثانية : تحضيضية ونتبع جوابها كما مرّ فلذلك أضمر أن ، فإن قيل : كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا القول لدخول حرف الامتناع عليها دونه ؟ .

أجيب : بأنّ القول هو المقصود بأن يكون سبباً للإرسال ولكنّ العقوبة لما كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها سبب للإرسال بواسطة القول فأدخلت عليها ( لولا ) وجيء بالقول معطوفاً عليها بالفاء المعطية معنى السببية ويؤول معناه إلى قولك ولولا قولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسلنا ولكن اختيرت هذه الطريقة لنكتة وهي أنهم لو لم يعاقبوا مثلاً على كفرهم وقد عاينوا ما ألجؤا به إلى العلم اليقيني ببطلان دينهم لم يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولاً بل إنما يقولون إذا نالهم العقاب ، وإنما السبب في قولهم هذا هو العقاب لا غير لا التأسف على ما فاتهم من الإيمان بخالقهم عز وجل وفي هذا من الشهادة القوية على استحكام كفرهم ورسوخه فيهم ما لا يخفي وهو كقوله تعالى : { ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه } ( الأنعام : 28 ) .