تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَوۡلَآ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

[ الآية 47 ] وقوله تعالى : { ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم } لا ينتظم الجواب ، وليس ما ذكر على إثره جوابا له إلا أن يقال : إن قوله : { ولولا أن تصيبهم مصيبة } وذلك جائز في اللغة كقوله : { ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا } [ النور : 16 ] أي لم تقولوا : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ، وقوله : { ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم } [ النور : 14 ] أي لم يمسهم .

وجميع ما ذكر في هذه السورة من : { ولولا } معناه{[15381]} : لم يكن : لم يكن . فعلى ذلك جائز أن يكون تأويل قوله : { ولولا أن تصيبهم مصيبة } أي لم تصبهم مصيبة ، ولو أصابتهم مصيبة ، وهو العذاب { فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا } وهو كقوله { ولو أنا /398 ب/ أهلكناهم بعذاب من قبله ، لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا } [ طه : 134 ] على هذا يخرج تأويل هذا .

ثم في هذه الآية في قوله : { ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله } [ دلالة وحجة وجهين ]{[15382]} :

أحدهما : على من يقول : إنه{[15383]} ليس لله أن يعذبهم بما كان منهم قبل بعث الرسل إليهم { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } [ الإسراء : 15 ] وفي الآية بيان : له أن يعذبهم ، وإن لم يبعث الرسل ، لأنه أوعدهم الهلاك ، فلو لم يكن له التعذيب والإهلاك لم يكن للإيعاد [ معنى ]{[15384]} . فدل أن له الإهلاك في الدنيا والاستئصال . لكنه أخره عنهم فضلا منه ورحمة .

والثاني : على المعتزلة في قولهم [ بوجوب ]{[15385]} الأصلح لأنه لا يخلو : إما أن يكون ما أوعدهم أصلح لهم من الترك ، وإما الترك لهم أصلح .

فإن كان ما أوعد لهم أصلح [ وقد تركه ]{[15386]} فيكون في تركه{[15387]} إياهم جائز على قولهم ، لأنه لم يفعل ما هو أصلح لهم في الدين .

أو إن يكن{[15388]} الترك لهم أصلح فيكون بما أوعدهم جائزا ، إذ أوعد بما كان غيره أصلح لهم مما أوعد فدل ما ذكرنا على أن ليس على الله حفظ الأصلح لهم في الدين .

ثم قوله : { بما قدمت أيديهم } ليس الكفر نفسه ، ولكن العناد والمكابرة مع الكفر لأن عذاب الكفر في الآخرة ، ليس في الدنيا ، لأن الله قد أبقى كثيرا من الكفرة لم يهلكهم ، ولم يعذبهم في الدنيا ، ولكن إنما أهلك ، واستأصل في الدنيا من عاند ، وكابر الرسل في الآيات والحجج التي [ أتوهم بها ] {[15389]} وأقاموها عليهم على إثر سؤال كان منهم . فعند ذلك أهلكهم ، واستأصلهم ، لا بنفس الكفر .

ثم مع ما كان له التعذيب قبل بعث الرسل لم يعذبهم ، ولكن أخر عنهم إلى أن بعث الرسل بالآيات والحجج ليقطع به لجاجتهم ومنازعتهم فضلا منه ، وإن لم يكن لهم الاحتجاج عليه{[15390]} بقولهم : { لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين } .

ويحتمل{[15391]} قوله { فنتبع آياتك } الآيات التي تبعث مع الرسل لأنه يبعث الرسل بالآيات .

وجائز أن يكون قوله : { فنتبع آياتك } يعنون بالآيات الرسل [ أنفسهم لأنهم آيات الله وحججه ]{[15392]} والله أعلم .


[15381]:- في الأصل وم: كله إنه.
[15382]:- من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: وجهان.
[15383]:- في الأصل وم: بان.
[15384]:- من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[15385]:- من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[15386]:- في الأصل: فقد تركتم، في م: فقد تركه.
[15387]:- في الأصل وم: تركهم.
[15388]:- في الأصل وم: يكون.
[15389]:- في الأصل وم:أتوها بهم.
[15390]:- في الأصل وم:عليهم.
[15391]:- الواو ساقطة من الأصل وم.
[15392]:- من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: لأنفسهم حجج.