البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَوۡلَآ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

وجواب { لولا } محذوف .

والمعنى : لولا أنهم قائلون ، إذ عوقبوا بما قدموا من الشرك والمعاصي ، هلا أرسلت إلينا رسولاً ؟ محتجين بذلك علينا ما أرسلنا إليهم : أي إنما أرسلنا الرسل إزالة لهذا العذر ، كما قال : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } أن { تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير } وتقدير الجواب : ما أرسلنا إليهم الرسل ، هو قول الزجاج .

وقال ابن عطية : تقديره : لعاجلناهم بما يستحقونه .

والمصيبة : العذاب .

ولما كان أكثر الأعمال تزاول بالأيدي ، عبر عن كل عمل باجتراح الأيدي ، حتى أعمال القلوب ، اتساعاً في الكلام ، وتصيير الأقل تابعاً للأكثر ، وتغليب الأكثر على الأقل .

والفاء في { فيقولوا } للعطف على نصيبهم ، ولولا الثانية للتحضيض .

وفنتبع : الفاء فيه جواب للتحضيض .

وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف استقام هذا المعنى ، وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا القول لدخول حرف الامتناع عليها دونه ؟ قلت : القول هو المقصود بأن يكون سبباً لإرسال الرسل ، ولكن العقوبة ، لما كانت هي السبب للقول ، فكان وجوده بوجودها ، جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال بواسطة القول ، فأدخلت عليها لولا ، وجيء بالقول معطوفاً عليها بالفاء المعطية معنى السببية ، ويؤول معناها إلى قولك : ولولا قولهم هذا ، { إذا أصابتهم مصيبة } لما أرسلنا ، ولكن اختيرت هذه الطريقة لنكتة ، وهو أنهم لم يعاقبوا مثلاً على كفرهم ، وقد عاينوا ما ألجئوا به إلى العلم اليقين .

لم يقولوا : لولا أرسلت إلينا رسولاً ، وإنما السبب في قولهم هذا هو العقاب لا غير ، لا التأسف على ما فاتهم من الإيمان بخالقهم .

وفي هذا من الشهادة القوية على استحكام كفرهم ورسوخهم فيه ما لا يخفى ، كقولهم : { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } انتهى .