الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبۡحٗا طَوِيلٗا} (7)

الخامسة- قوله تعالى{[15508]} : " إن لك في النهار سبحا طويلا " قراءة العامة بالحاء غير معجمة ، أي تصرفا في حوائجك ، وإقبالا وإدبارا وذهابا ومجيئا . والسبح : الجري والدوران ، ومنه السابح في الماء ؛ لتقلبه بيديه ورجليه . وفرس سابح : شديد الجري ، قال امرؤ القيس :

مِسَحٌ إذا ما السَّابِحَاتُ على الوَنَى *** أثَرْنَ الغُبَارَ بالكَدِيدِ المُرَكَّلِ{[15509]}

وقيل : السبح الفراغ ، أي إن لك فراغا للحاجات بالنهار . وقيل : " إن لك في النهار سبحا " أي نوما ، والتسبح التمدد ، ذكره الخليل . وعن ابن عباس وعطاء : ( سبحا طويلا ) يعني فراغا طويلا لنومك وراحتك ، فاجعل ناشئة الليل لعبادتك ، وقال الزجاج : إن فاتك في الليل ، شيء فلك في النهار فراغ الاستدراك .

وقرأ يحيى بن يعمر وأبو وائل " سبخا " بالخاء المعجمة . قال المهدوي : ومعناه النوم روى ذلك عن القارئين بهذه القراءة . وقيل : معناه الخفة والسعة والاستراحة ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد دعت على سارق ردائها : ( لا تسبخي ( عنه{[15510]} ) بدعائك عليه ) . أي لا تخففي عنه إثمه ، قال الشاعر :

فَسَبِّخْ عليك الهَمَّ واعلم بأنَّهُ *** إذا قَدَّرَ الرحْمَنُ شيئا فكائِنْ

الأصمعي : يقال سبخ الله عنك الحمى أي خففها . وسبخ الحر{[15511]} : فتر وخف . والتسبيخ النوم الشديد . والتسبيخ أيضا توسيع القطن والكتان والصوف وتنفيشها ، يقال للمرأة : سبخي قطنك . والسبيخ من القطن ما يسبخ بعد الندف ، أي يلف لتغزله المرأة ، والقطعة منه سبيخة ، وكذلك من الصوف والوبر . ويقال لقطع القطن سبائخ ، قال الأخطل يصف القناص والكلاب :

فأرسلوهن يُذْرين التُّرَابَ كما *** يُذْرِي سَبَائِخَ قُطْنٍ نَدْفُ أوتَارِ

وقال ثعلب : السبخ بالخاء التردد والاضطراب ، والسبخ أيضا السكون ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الحمى من فيح جهنم ، فسبخوها بالماء ) أي سكنوها . وقال أبو عمرو : السبخ : النوم والفراغ .

قلت : فعلى هذا يكون من الأضداد وتكون بمعنى السبح ، بالحاء غير المعجمة .


[15508]:جملة: "قوله تعالى" ساقطة من ح.
[15509]:مسح: معناه يصب الجري صبا. وهذه الكلمة وردت محرفة في ط، وهي ساقطة من سائر الأصول. والتصويب من الديوان واللسان. والونى: الفتور والكلال. والكديد: الموضع الغليظ. والمركل: الذي يركل بالأرجل. ومعنى البيت: إن الخيل السريعة إذا فترت فأثارت الغبار بأرجلها من التعب حرى هذا الفرس جريا سهلا كما يسح السحاب المطر.
[15510]:زيادة من نهاية ابن الأثير.
[15511]:في أ، ح، ل، و: "الجن" بالجيم والنون، وهو تحريف.