لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{نَحۡنُ أَوۡلِيَآؤُكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَشۡتَهِيٓ أَنفُسُكُمۡ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} (31)

قوله جل ذكره : { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } .

الولاية من الله بمعنى المحبة ، وتكون بمعنى النصرة .

وهذا الخطاب يحتمل أن يكون من قِبَلِ الملائكة الذين تنزلوا عليهم ، ويحتمل أن يكون ابتداءَ خطابِ من الله .

والنصرة تصدر من المحبة ؛ فلو لم تكن المحبة الأزلية لم تحصل النصرة في الحال . ويقال : { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } بتحقيق المعرفة ، { وَفِى الآخِرَةِ } بتحصيل المغفرة .

ويقال { نَحْنُ أَوْليَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } بالعناية ، { وَفِى الآخِرَةِ } بحسن الكفاية وجميل الرعاية .

{ وفِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } بالمشاهدة ، { وَفِي الآخِرَةِ } بالمعاينة .

في الدنيا الرضاء بالقضاء ، وفي الآخرة باللقاء في دار البقاء .

في الدنيا بالإيمان ، وفي الآخرة بالغفران .

في الدنيا بالمحبة ، وفي الآخرة بالقربة .

{ وَلَكُمْ فِيهَا } أي في الجنة { مَا تَشْتَهِى أَنْفُسُكُمْ } : الولايةُ نقدٌ ، وتحصيل الشهوات وعدٌ ، فَمَنْ يشتغل بنقده قلَّما يشتغل بوعده .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{نَحۡنُ أَوۡلِيَآؤُكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَشۡتَهِيٓ أَنفُسُكُمۡ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} (31)

وقوله تعالى : { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى الحياة الدنيا } إلى آخره من بشاراتهم في الدنيا أي أعوانكم في أموركم نلهمكم الحق ونرشدكم إلى ما فيه خيركم وصلاحكم ، ولعل ذلك عبارة عما يخطر ببال المؤمنين المسترين على الطاعات من أن ذلك بتوفيق الله تعالى وتأييده لهم بواسطة الملائكة عليهم السلام ، ويجوز على قول بعض الناس أن تقول الملائكة لبعض المتقين شفاها في غير تلك المواطن : { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى الحياة الدنيا } { وَفِي الاخرة } نمدكم بالشفاعة ونتلقاكم بالكرامة حين يقع بين الكفرة وقرنائهم ما يقع من الدعاوي والخصام .

وذهب بعض المفسرين على أن هذا من بشاراتهم في أحد المواطن الثلاثة أيضاً على معنى كنا نحن أولياءكم في الدنيا ونحن أولياؤكم في الآخرة ، وقيل : هذا من كلام الله تعالى دون الملائكة أي نحن أولياؤكم بالهداية والكفاية في الدنيا والآخرة { وَلَكُمْ فِيهَا } أي في الآخرة { مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ } من فنون الملاذ { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } ما تتمنون وهو افتعال من الدعاء بمعنى الطلب أي تدعون لأنفسكم وهو عند بعض أعم من الأول لأنه قد يقع الطلب في أمور معنوية وفضائل عقلية روحانية ، وقيل : بينهما عموم وخصوص من وجه إذ قد يشتهي المرء ما لا يطلبه كالمريض يشتهي ما يضره ولا يريده ، وكون التمني أعم من الإرادة غير مسلم ، نعم قيل : إذا أريد بالمتمني ما يصح تمنيه لا ما يتمنى بالفعل فذاك .

وقال ابن عيسى المراد ما تدعون أنه لكم فهو لكم يحكم ربكم { وَلَكُمْ } في الموضعين خبر و { مَا } مبتدأ و { فِيهَا } حال من ضميره في الخبر وعدم الاكتفاء بعطف { مَا تَدَّعُونَ } على { مَا تَشْتَهِى } للإيذان باستقلال كل منهما .