قوله جل ذكره : { بسم الله الرحمان الرحيم } .
بسم الله كلمة عزيزة من ذكرها عز لسانه ، ومن عرفها تهتز بصحبتها جنانه .
" بسم الله " كلمة للألباب غلابة ، كلمة لأرواح المحبين سلابة .
قوله جل ذكره : { وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } .
والذارياتُ : أي الرياح الحاملات { وِقْراً } أي السحاب { فَالْجَارِياتِ } أي السفن . { فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } أي الملائكة . . . أقسم بربِّ هذه الأشياء وبقدرته عليها . وجواب القسم : { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ . . . } والإشارة في هذه الأشياء أن من جملة الرياح . الرياح الصيحية تحمل أنينَ المشتاقين إلى ساحات العزَّةِ فيأتي نسيمُ القربةِ إلى مَشَامِّ أسرارِ أهل المحبة . . . فعندئذٍ يجدون راحةً من غَلَبَات اللوعة ، وفي معناه أنشدوا :
وإني لأستهدي الرياحَ نسيمكم *** إذا أقبلَتْ من أرضكم بهبوب
وأسألُها حمْلَ السلام إليكمو *** فإنْ هي يوماً بَلَّغتْ . . فأجيبي
ومن السحاب ما يُمطر بعتاب الغيبة ، ويُؤْذن بهواجم النَّوى والفُرْقة . فإذا عَنَّ لهم من ذلك شيء أبصروا ذلك بنور بصائرهم ، فيأخذون في الابتهال ، والتضرُّع في السؤال استعاذةً منها . . . كما قالوا :
أقول- وقد رأيتُ لها سحاباً *** من الهجران مقبلة إلينا
وقد سحَّت عزاليها بِبَيْنٍ *** حوالينا الصدودُ ولا علينا
وكما قد يَحْملُ الملاَّحُ بعضَ الفقراء بلا أجرة طمعاً في سلامة السفينة - فهؤلاء يرْجُون أن يُحمَلُوا في فُلْكِ العناية في بحار القدرة عند تلاطم الأمواج حول السفينة . ومِنَ الملائكةِ مَنْ يتنزَّلُ لتفقد أهل الوصلة ، أو لتعزية أهل المصيبة ، أو لأنواعٍ من الأمور تتصل بأهل هذه القصة ، فهؤلاء القوم يسألونهم عن أحوالهم : هل عندهم خيرٌ عن فراقهم ووصالهم - كما قالوا :
بربِّكما يا صاحبيَّ قِفَا بيا *** أسائلكم عن حالهم وآسألانيا
{ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ } : الحقُّ - سبحانه- وَعَدَ المطيعين بالجنة ، والتائبين بالرحمة ، والأولياءَ بالقربة ، والعارفين بالوصلة ، ووَعَدَ أرباب المصائب بقوله : { أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } [ البقرة : 156 ، 157 ] ، وهم يتصدون لاستبطاء حُسْنِ الميعاد - واللَّهُ رؤوفٌ بالعباد .
هذه السورة مكية ، وآياتها ستون . وفيها تركيز على الإيمان بالله خالق كل شيء ، والتحذير من عقابه الذي يصيب به الفاسقين المعرضين عن منهج الله . والسورة مبدوءة بالقسم العظيم من الله بأجزاء من خلقه على أن وعده من الثواب والعقاب والحساب حق وصدق لا ريب فيه .
وفي السورة وصف سريع ومقتضب لأحوال الظالمين السابقين الذين عصوا رسل ربهم وضلوا السبيل فأهلكهم الله بذنوبهم وعصيانهم . ومنهم قوم لوط الذين جعل الله عاليهم سافلهم ، وقوم فرعون الذين أخذوا بالتغريق ، وقوم عاد الذين أهلكوا بالريح العقيم ، قوم ثمود الذين أخذتهم الصيحة ، وقوم نوح الذين أتى عليهم الطوفان فقطع دابرهم .
وفي السورة إعلان من الله يبين فيه علة خلق العالمين وهي عبادة الله وحده والإذعان لجلاله بالخضوع والطاعة { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } إلى غير ذلك من صور التذكير والعبر والأخبار .
{ والذاريات ذروا 1 فالحاملات وقرا 2 يوم فالجاريات يسرا 3 فالمقسّمات أمرا 4 إنما توعدون لصادق 5 وإن الدين لواقع 6 والسماء ذات الحبك 7 إنكم لفي قول مختلف 8 يؤفك عنه من أفك 9 قتل الخراصون 10 الذين هم في غمرة ساهون 11 يسئلون أيان يوم الدين 12 يوم هم على النار يفتنون 13 ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون } .
يقسم الله بأجزاء من خلقه . فقد أقسم ههنا بالذاريات وهي الرياح . وأقسم بالحاملات وقرا ، وذلكم السحاب الذي يحمل قطرات المطر ليسوقه إلى مختلف البلدان والأقاليم . وكذلك أقسم بالجاريات يسرا ، وهي السفن المحملة بالعباد والأمتعة ، والتي تجري على سطح الماء في سهولة ولين ، وذلك بما بثه الله في الأجسام من خاصية الطفو على سطح الماء . ثم أقسم الله بالمقسّمات أمرا ، وهي الملائكة تحمل الأمر من السماء إلى الأرض على اختلافه ما بين خصب وقحط وسعة وفقر ونصر وهزيمة وولادة وموت ، وغير ذلك من وجوه الحوادث والأمور . ويدل على هذا التأويل مما تقدم ما روي عن علي ( رضي الله عنه ) أنه صعد منبر الكوفة فقال : لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى ولا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتكم بذلك فقام إليه الكواء فقال : يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى : { والذاريات ذروا } ؟ قال علي ( رضي الله عنه ) : الريح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.