لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡمَلِكِ ٱلۡقُدُّوسِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

قوله جل ذكره : { بسم الله الرحمان الرحيم } .

" بسم الله " اسم عزيز إذا تجلى لقلب عبد بوصف جماله تجمعت أفكاره على بساط جوده فلم يتفرق بسواه .

ومن تجلى لسره بنعت جلاله اندرجت جملته ، واستهلك في وجوده فلم يشعر بكرائم دنياه ولا بعظائم عقباه .

وكم لم من إنعام ! وكم له من إحسان ! وكم في أمثالهم : " جرى الوادي فطم على القري " .

قوله جل ذكره : { يُسَّبِحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } .

تَسْبَحُ في بحارِ توحيد الحقِّ أسرارُ أهلِ التحقيق ، وبَحْرُهم بلا شاطئ ؛ فبعد ما حصلوا فيها فلا خروجَ ولا براحَ ، فحازت أيديهم جواهرَ التفريد فرصَّعوها في تاج العرفان كي يَلْبَسُوه يومَ اللِّقاء .

{ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعِزِيزِ الْحَكِيمِ } .

{ الْمَلِكِ } : الملك المتفرِّد باستحقاق الجبروت .

{ الْقُدُّوسِ } : المُنزَّهُ عن الدرك والوصول : فليس بيد الخَلْقِ إلاَّ عرفان الحقائق بنعت التعالي ، والتأمل في شهود أفعاله ، فأمَّا الوقوف على حقيقة أنِّيته - فقد جَلَّتْ الصمديةُ عن إشرافٍ عليه ، أو طمعِ إدراكٍ في حالٍ رؤيته ، أو جواز إحاطةٍ في العِلْم به . . فليس إلا قالة بلسانٍ مُسْتَنْطقٍ ، وحالة بشهودِ حقِّ مستغرق .

وقُلْنَ بنا : نحن الأهِلَّة إنما *** نُضيءُ لِمَنْ يَسْرِي بليلٍ ولا نَقْرِي

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡمَلِكِ ٱلۡقُدُّوسِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الجمعة مدنية وآياتها إحدى عشرة ، نزلت بعد سورة الصف . وهي على غرار السور المدنية في معالجتها لتهذيب الأخلاق ، وتثبيت الإيمان ، وبناء مجتمع إسلامي فاضل .

فبعد أن وصف الله تعالى نفسه بصفات الكمال ، وأن كل شيء في هذا الوجود يسبح له ، بين أنه بعث في هذه الأمة رسولا منهم يتلو عليهم القرآن الكريم ، ويزكيهم بالأخلاق الفاضلة ، ويطهرهم من الشرك والخرافات ، ويفقّههم في الدين ويسلحهم بالعلم النافع ، ليحملوا راية الإسلام ، وينشروا مشعل الهداية في العالم .

وأنه سيجيء بعدهم آخرون منهم يسيرون على هدى الإسلام وينشرون هذا الدين في الشرق والغرب تحت راية القرآن .

ثم نعى على اليهود تركهم العمل بالتوراة ، وتعاليهم على الناس ، ودعواهم بأنهم أولياء الله وأحباؤه ، وتحداهم أن يتمنوا الموت إن كانوا صادقين ، ولكنهم لا يتمنونه أبدا ، لحرصهم على الحياة ، وجمع المال ، وعبادة المادة ، مع أن كل إنسان في هذا الوجود مصيره إلى الموت .

ثم يأتي إلى موضوع صلاة الجمعة ، وبذلك سميت " سورة الجمعة " بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } .

فعلى المؤمنين أن يسارعوا إلى صلاة الجمعة عندما يسمعون النداء ، ويجب أن يتركوا أعمالهم وتجارتهم ويتوجهوا إلى المساجد أينما كانوا ، وبعد أن تنقضي الصلاة لهم أن يسعوا إلى أعمالهم وطلب الرزق .

وفي ختام السورة يعاتب الله بعض المؤمنين على تركهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ، وذهابهم إلى السوق لرؤية العير القادمة من الشام . ذلك أن هذا لا يليق بالمؤمنين ، فعليهم أن يلزموا المسجد إلى نهاية الصلاة ، والله قد تكفل لهم بالرزق وهو خير الرازقين .

القدّوس : صفة من صفات الله ومعناها : المنزه عن النقائص .

يسبّح لله وينزّهه عما لا يليق به كلُّ ما في هذا الوجود من بشرٍ وحيوان وشجر وجماد ، هو الملكُ القُدّوس المنزه عن النقائص ، المتصفُ بالكمال ، { العزيز الحكيم } .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡمَلِكِ ٱلۡقُدُّوسِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الجمعة

مدنية كما روي عن ابن عباس وابن الزبير والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة وإليه ذهب الجمهور وقال ابن يسار : هي مكية وحكى ذلك عن ابن عباس ومجاهد والأول هو الصحيح لما في صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة الحديث وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى وإسلامه رضي الله تعالى عنه بعد الهجرة بمدة بالإتفاق ولأن أمر الأنفضاض الذي تضمنه آخر السورة وكذا أمر اليهود المشار إليه بقوله سبحانه : ( قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم ) الخ لم يكن إلا بالمدينة وآيها إحدى عشرة آية بلا خلاف ووجه اتصالها بما قبلها أنه تعالى لما ذكر فيما قبل حال موسى عليه السلام مع قومه وأذاهم له ناعيا عليهم ذلك ذكر في هذه السورة حال الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وفضل أمته تشريفا لهم لينظر فضل ما بين الأمتين ولذا تعرض فيها لذكر اليهود وأيضا لما حكى هناك قول عيسى عليه السلام ( ومبشرا برسول من بعدي اسمه أحمد ) قال سبحانه هنا : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) إشارة إلى أنه الذي بشر به عيسى وأيضا لما ختم تلك السورة بالأمر بالجهاد وسماه ( تجارة ) ختم هذه بالأمر بالجمعة وأخبر أن ذلك خير من التجارة الدنيوية وأيضا في كلتا السورتين إشارة إلى اصطفاف في عبادة أما الأولى فظاهر وأما في هذه فلأن فيها الأمر بالجمعة وهي يشترط فيها الجماعة التي تستلزم الأصطفاف إلى غير ذلك وقد كان صلى الله تعالى عليه وسلم كما أخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس يقرأ في الجمعة بسورتها ( وإذا جاءك المنافقون ) . وأخرج ابن حبان والبيهقي في سننه عن جابر بن سمرة أنه قال : كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة ( قل يا أيها الكافرون ) و ( قل هو الله أحد ) وكان يقرأ في صلاة العشاء الأخيرة ليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقون وفي ذلك دلالة على مزيد شرف هذه السورة

بسْم الله الرحمن الرَّحيم { يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض } تسبيحاً متجدداً على سبيل الاستمرار { الملك القدوس العزيز الحكيم } صفات للاسم الجليل ، وقد تقدم معناها ، وقرأ أبو وائل ، ومسلمة بن محارب ، ورؤبة ، وأبو الدينار ، والأعرابي برفعها على المدح ، وحسن ذلك الفصل الذي فيه نوع طول بين الصفة والموصوف ، وجاء كذلك عن يعقوب ، وقرأ أبو الدينار ، وزيد بن علي { القدوس } بفتح القاف .