لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَيۡنَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِي} (94)

ولما ظهر لموسى - عليه السلام - ما ظهر أخذ هارون يقابله بالرفق واللطف وحسن المداراة . . وكذلك الواجب في الصحبة لئلا يرتقي الأمرُ إلى الوحشة

فاستلطفه في الخطاب واستعطفه بقوله : { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي }

أنت أمَرْتَنِي أَلاَّ أُفارِقَهم . وقد يُقال إن هارون لو قال لموسى : في الوقتِ الذي احتَجْتَ أنْ تَمْضِيَ إلى فرعون قلتَ : { وَأَخِى هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً } [ القصص :34 ] ، وقلت : { فَأَرْسِلْهُ مَعِى } [ القصص :34 ] ، وقلت حين مضيتَ إلى سماع كلام الحق :

{ اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى . . . } [ الأعراف :142 ] فما اكتفيت بأَنْ لم تستصحبني . وخَلَّفْتَنِي ! وقد عَلِمْتَ أَني بريءُ الساحةِ مما فعلوا فأخذتَ بلحيتي وبرأسي . . . ألم ترضَ بما أنا فيه حتى تزيدني حَرْياً على حَرْي ؟ ! . . . . لو قال ذلك لكان مَوْضِعَه ، ولكنْ لِحلْمِه ، ولِعِلْمِه - بأنَّ ذلك كُلَّه حُكْمُ ربِّهم - فقد قابَلَ كلَّ شيءٍ بالرضا .