اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَيۡنَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِي} (94)

قوله : { يا بْنَ أُمِّ } قيل : إنما خاطبه بذلك ليدفعه عنه ، ويتركه .

وقيل : كان{[26391]} أخاه لأمه{[26392]} .

واعلم أنه ليس في القرآن دلالة على أنَّه فَعَلَ ذلك ، فإن النهي عن الشيء لا يدل على كون المنهي فاعلاً للمنهي عنه لقوله تعالى{[26393]} : { وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين }{[26394]} وإنما في القرآن أنه أخذ برأس أخيه يجره إليه{[26395]} . ، وهذا القدر لا يدل على الاستحقاق بل قد يفعل لسائر الأغراض على ما بيناه{[26396]} .

قوله : { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } الجمهور على كسر اللام{[26397]} من اللحية ، وهي الفصحى . وفيها الفتح وبه قرأ عيسى{[26398]} بن سليمان الحجازي{[26399]} ، والفتح{[26400]} لغة الحجاز{[26401]} ويجمع على لِحّى كقِرَب{[26402]} . ونقل فيها الضم كما قالوا : صِوَرَ بالكسر وحقها بالضم{[26403]} .

والباء في " بِلِحْيَتِي " ليست زائدة إما لأنَّ المعنى لا يكن{[26404]} منك أخذ وإما لأن المفعول محذوف أي لا تأخُذْنِي{[26405]} . ومن زعم زيادتها كهي{[26406]} في { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة }{[26407]} فقد تعسف .

فصل{[26408]}

معنى قوله : " بِرَأْسِي " أي بِشَعْر رأسي ، وكان قد أخذ{[26409]} بذؤابته{[26410]} " إنِّي خَشِيتُ " لو أنكرت عليهم لصاروا حريين بقتل بعضهم بعضاً ، فتقول{[26411]} أنت { فَرَّقْتَ بَيْنَ بني إِسْرَآئِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } ولم تحفظ{[26412]} وصيتي حين قلت لك : { اخلفني فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ }{[26413]} لأي ارفق بهم{[26414]} .

قوله : { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي }هذه الجملة محلها النصب نسقاً على { فَرَّقْتَ بَيْنَ بني إسرائيل } أي أن تقول : فرقت بينهم وأن تقول : { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي }{[26415]} .

وقرأ{[26416]} أبو جعفر " تُرقب " {[26417]} بضم حرف المضارعة من أرقب{[26418]} . فإن قيل : إن قوله موسى - عليه السلام{[26419]}- " وما منعك أن لا تتبع أفعَصَيْتَ أمْرِي " يدل على أنه أمره{[26420]} بشيء ، فكيف يحسن في جوابه أن يقال : إنما لم أمتثل قولك خوفاً من أن تقول " وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي " ، وهل يجوز مثل هذا الكلام على العاقل ؟

فالجواب{[26421]} : لعلَّ موسى - عليه السلام{[26422]} - إنما أمره بالذهاب إليه بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى فساد القوم ، فلما قال موسى " مَا مَنَعَكَ أَْنْ لاَ تَتَّبِعنِي " قال لأنك إنما أمرتني باتباعك إذا لم يحصل الفساد ، فلو جئتك مع حصول الفساد ما كنت مراقباً لك{[26423]} .


[26391]:في ب: إنه كان.
[26392]:انظر الفخر الرازي 22/109.
[26393]:في ب: كقوله.
[26394]:[الأحزاب: 1، 48].
[26395]:في قوله تعالى: {وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه} [الأعراف: 150].
[26396]:انظر الفخر الرازي 22/109.
[26397]:في ب: كسر السين. وهو تحريف.
[26398]:في ب: يحيى. وهو تحريف.
[26399]:وهو عيسى بن سليمان أبو موسى الحجازي مقرئ عالم نحوي معروف أخذ القراءة عرضا وسماعا عن الكسائي، وروى الحروف عن إسماعيل بن جعفر عن نافع وأبي جعفر وشيبة. طبقات القراء 1/608 – 609.
[26400]:في ب: وهي.
[26401]:انظر البحر المحيط 6/273.
[26402]:في ب: العرب. وهو تحريف.
[26403]:أي: أن فعل – بكسر الفاء وفتح العين – من أمثلة جموع الكثرة، ويطرد فيما كان اسما تاما على فعلة – بكسر الفاء وسكون العين – نحو كسرة وكسر، وحجة وحجج وشيعة وشيع، وحيلة وحيل. وقد ينوب فعل – بكسر الفاء – عن فعل – بضم الفاء – فيكون جمع لفعلة – بضم الفاء – نحو صورة وصور، وقوة وقوى. كما ينوب فعل – بضم الفاء – عن فعل – بكسر الفاء – فيكون جمعا لفعلة بكسر الفاء وسكون العين نحو حلية وحلى، ولحية ولحى. انظر شرح الأشموني 4/131 – 132.
[26404]:في ب: لأن المعنى ليس أي لا يكن.
[26405]:في ب: لا تأخذها. وانظر التبيان 2/902.
[26406]:في الأصل: فهي. وهي تحريف.
[26407]:[البقرة: 195].
[26408]:في ب: فإن قيل.
[26409]:في ب: وكانوا قد أخذوا. وهو تحريف.
[26410]:الذؤابة: منبت الناصية من الرأس، والجمع الذوائب، وهي الشعر المضفور من شعر الرأس. اللسان (ذأب).
[26411]:في ب: وتقول. وهو تحريف.
[26412]:في ب: ولم تقبل.
[26413]:[الأعراف: 142].
[26414]:انظر البغوي 5/453.
[26415]:في ب: وإن لم تقل "لم ترقب قولي" وهو تحريف.
[26416]:في ب: قرأ.
[26417]:ترْقِبُ: سقط من ب.
[26418]:انظر البحر المحيط 6/273.
[26419]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[26420]:أمره: سقط من ب.
[26421]:في ب: والجواب.
[26422]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[26423]:انظر الفخر الرازي 22/109.