لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{إِن تُبۡدُواْ خَيۡرًا أَوۡ تُخۡفُوهُ أَوۡ تَعۡفُواْ عَن سُوٓءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّٗا قَدِيرًا} (149)

{ إِن تُبْدُوا خَيْرًا } تخلقاً بآداب الشريعة ، وتخفوه تحققاً بأحكام الحقيقة .

{ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ } أخذاً من الله ما ندبكم إليه من محاسن الخُلُق .

{ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا } لعيوبكم { قَدِيرًا } على تحصيل محبوبكم وتحقيق مطلوبكم .

ويقال إن تبدوا خيراً لتكونوا للناس قدوة فيما تُسِنُّون وما تعينون غيركم على ما يُهَدْون به من سلوك سُنَّتكم ، وإن تخفوه اكتفاءً بعلمه ، وصيانة لنفوسكم عن آفات التصنَّع ، وثقةً بأن من تعملون له يرى ذلك ويعلمه منكم ، وإن تعفوا عن سوءٍ أي تتركوا ما تدعوكم إليه نفوسكم فالله يجازيكم بعفوه على ما تفعلون ، وهو قادر على أن يبتليكم بما ابتلى به الظالم ، فيكون تحذيراً لهم من أن يغفلوا عن شهود المنَّة ، وتنبيهاً على أن يستعيذوا أن يُسلَبوا العصمة ، وأنْ يُخْذَلُوا حتى يقعوا في الفتنة والمحنة .

ويقال إنْ تبدوا خيراً فتحسنوا إلى الناس ، أو تخفوه بأن تدعوا لهم في السرِّ ، أو تعفوا عن سوءٍ إنْ ظُلِمْتم .

ويقال من أحسن إليك فأبْدِ معه خيراً جهراً ، ومن كفاك شرَّه فأخلِصْ بالولاء والدعاء له سِرَّاً ، ومن أساء إليك فاعفُ عنه كرمًا وفضلاً ؛ تجِدْ من الله عفوَه عنك عما ارتكبت ، فإن ذنوبَك أكثرُ ، وهو قادرٌ على أنْ يُعطيَك من الفضل والإنعام ما لا تصل إليه بالانتصاف من خصمك ، وما تجده بالانتقام .