البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِن تُبۡدُواْ خَيۡرًا أَوۡ تُخۡفُوهُ أَوۡ تَعۡفُواْ عَن سُوٓءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّٗا قَدِيرًا} (149)

{ إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً } الظاهر أنّ الهاء في تخفوه تعود على الخير .

قال ابن عباس : يريد من أعمال البر كالصيام والصدقة .

وقال بعضهم : في تخفوه عائد على السوء ، والمعنى : أنه تعالى لما أباح الجهر بالسوء لمن كان مظلوماً قال له ولجنسه : إن تبدو خيراً ، بدل من السوء ، أو تخفوا السوء ، أو تعفوا عن سوء .

فالعفو أولى وإن كان غير المعفو مباحاً انتهى .

وذكر إبداء الخير وإخفاءه تسبباً لذلك العفو ، ثم عطفه عليهما تنبيهاً على منزلته واعتداداً به ، وإن كان مندرجاً في إبداء الخير وإخفائه ، فجعله قسماً بالعطف لا قسيماً اعتناء به .

ولذلك أتى سبحانه وتعالى بصفة العفو والقدرة منسوبة له تعالى ليقتدى بسنته ، ويتخلق بشيء من صفاته تعالى .

والمعنى : أنه يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام ، وكان بالصفتين على طريق المبالغة تنبيهاً على أنّ العبد ينبغي أن يكثر منه العفو مع كثرة القدرة على الانتقام .

وفي الحديث الصحيح : « من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً » .

وقال تعالى : { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس } وقال الحسن : المعنى أنه تعالى يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام فعليكم بالعفو .

وقال الكلبي : معناه أني أقدر على العفو عن ذنوبك منك على عفوك عن صاحبك .

وقيل : عفواً لمن عفى قديراً على إيصال الثواب إليه .

/خ159