لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِۖ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ لِكُلّٖ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةٗ وَمِنۡهَاجٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (48)

قدَّم تعريفه - صلى الله عليه وسلم - قصص الأولين على تكليفه باتباع ما أنزل الله عليه لئلا يسلك سبيل من تقدَّمه فيستوجب ما استوجبوه .

قوله جلّ ذكره : { فَاحْكُمْ بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ } .

لا تتملكك مودَّةُ قريبٍ أو حميمٍ ، واعتنِقْ ملازمةَ أمرِ الله - تبارك وتعالى - بترك كل نصيبٍ لك .

ثم قال : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } يعني طريقةً وسُنَّة ؛ أي أفردنا كلَّ واحدٍ منكم - معاشِرَ الأنبياء - بطريقة ، وأمَّا أنت فلا يدانيك في طريقتك أحد ، وأنت المقدَّمُ على الكافة ، والمُفَضَّلُ على الجملة ، ولو شاء الله لَسَوَّى مراتَبَكم ، ولكن غاير بينكم ابتلاء ، وفَضَّلَ بعضكم على بعض امتحاناً .

قوله جلّ ذكره : { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } .

مسارعة كل أحدٍ على ما يليق بوقته ؛ فالعابدون تقدمهم من حيث الأوراد ، والعارفون همتهم من حيث المواجد .

ويقال استباق الزاهدين برفض الدنيا ، واستباق العابدين بقَطْعِ الهوى ، واستباق العارفين بنفي المُنى ، واستباق الموحدين بترك الورى ، ونسيان الدنيا والعُقبى .