غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمُهَيۡمِنًا عَلَيۡهِۖ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ لِكُلّٖ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةٗ وَمِنۡهَاجٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ} (48)

48

التفسير : منّ الله تعالى على نبينا صلى الله عليه وسلم بإنزال القرآن إليه مصدقاً لما بين يديه من الكتاب أي جنسه وهو كل كتاب سوى القرآن نازل من السماء . وفي المهيمن قولان : قال الخليل وأبو عبيدة : هيمن على الشيء يهيمن إذا كان رقيباً على الشيء وشاهداً ومصدقاً . وقال الجوهري : أصله أأمن بهمزتين قلبت الثانية ياء لكراهة اجتماع الهمزتين ، ثم الأولى هاء كما في هرقت وهياك . والمعنى إنه أمين على الكتب التي قبله لأنه لا ينسخ ألبتة ولا يحرف لقوله :{ وإنا له لحافظون }[ الحجر :9 ] ومن هنا قرئ : { ومهيمناً عليه } فتح الميم أي هو من عليه بأن حوفظ من التغيير والتبديل ، والذي هيمن عليه عز وجل كما قلنا ، أو الحفاظ في كل بلد والقراء المشهود لهم بالإجادة { فاحكم بينهم } بين اليهود بالقرآن { ولا تتبع أهواءهم } منحرفاً { عما جاءك من الحق } أو ضمن لا تتبع معنى لا تحزن . قيل : لولا جواز المعصية على الأنبياء لم يجز هذا النهي . والجواب أن ذلك مقدور له ولكن لا يفعله لمكان النهي . أو الخطاب له والمراد غيره { لكل جعلنا منكم } أيها الناس أو الأمم أمة موسى وأمة عيسى وأمة محمد صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكر الثلاث { شرعة ومنهاجاً } قال ابن السكيت : الشرع مصدر شرعت الإهاب إذا شققته وملحته . وقيل : إنه من الشروع في الشيء الدخول فيه ، والشرعة مصدر للهيئة بمعنى الشريعة " فعلة " بمعنى " مفعولة " وهي الأمور التي أوجب الله تعالى على المكلفين أن يشرعوا فيها والمنهاج الطريق الواضح وهما عبارتان عن معبر واحد هو الدين والتكرير للتأكيد .

ويحتمل أن يقال : الشريعة عامة والمنهاج مكارم الشريعة ، فالأولى أقدم وهذه تتلوها وهي الطريقة . وقال المبرد : الشريعة ابتداء الطريق والطريقة المنهاج المستمر . { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة } جماعة متفقة على شريعة واحدة أو ذوي أمة واحدة أي دين واحد لا خلاف فيه . وفيه دليل على أن الكل بمشيئة الله تعالى . والمعتزلة حملوه على مشيئته الإلجاء { ولكن ليبلوكم } أي جعلكم مختلفين متخالفين ليعاملكم معاملة المختبر هل تعملون بالنواميس الإلهية وتذعنون للعقائد الحقة أم تقصرون في العمل وتتبعون الشبه ولذلك قال { فاستبقوا الخيرات } سارعوا إليها وتسابقوا نحوها . ويعني بالخيرات ههنا ما هو الحق من الاعتقادات والمحقق من التكاليف . ثم علّل الاستئناف بقوله : { إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم } فيخبركم بما لا تشكون معه من الجزاء الفاصل بين المحق والمبطل والعام والمقصر . والمراد أن الأمر سيؤول إلى ما يحصل معه اليقين من مجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته

/خ58