في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعۡنَا ٱلۡهُدَىٰٓ ءَامَنَّا بِهِۦۖ فَمَن يُؤۡمِنۢ بِرَبِّهِۦ فَلَا يَخَافُ بَخۡسٗا وَلَا رَهَقٗا} (13)

ثم يصفون حالهم عندما سمعوا الهدى ، وقد قرروه من قبل ، ولكنهم يكررونه هنا بمناسبة الحديث عن فرقهم وطوائفهم تجاه الإيمان :

( وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به ) . .

كما ينبغي لكل من يسمع الهدى . وهم سمعوا القرآن . ولكنهم يسمونه هدى كما هي حقيقته ونتيجته . ثم يقررون ثقتهم في ربهم ، وهي ثقة المؤمن في مولاه :

( فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) . .

وهي ثقة المطمئن إلى عدل الله ، وإلى قدرته ، ثم إلى طبيعة الإيمان وحقيقته . . فالله - سبحانه - عادل ، ولن يبخس المؤمن حقه ، ولن يرهقه بما فوق طاقته . والله - سبحانه - قادر . فسيحمي عبده المؤمن من البخس وهو نقص الاستحقاق إطلاقا ، ومن الرهق وهو الجهد والمشقة فوق الطاقة . ومن ذا الذي يملك أن يبخس المؤمن أو يرهقه وهو في حماية الله ورعايته ? ولقد يقع للمؤمن حرمان من بعض أعراض هذه الحياة الدنيا ؛ ولكن هذا ليس هو البخس ، فالعوض عما يحرمه منها يمنع عنه البخس . وقد يصيبه الأذى من قوى الأرض ؛ لكن هذا ليس هو الرهق ، لأن ربه يدركه بطاقة تحتمل الألم وتفيد منه وتكبر به ! وصلته بربه تهون عليه المشقة فتمحضها لخيره في الدنيا والآخرة .

المؤمن إذن في أمان نفسي من البخس ومن الرهق : ( فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) . . وهذا الأمان يولد الطمأنينة والراحة طوال فترة العافية ، فلا يعيش في قلق وتوجس . حتى إذا كانت الضراء لم يهلع ولم يجزع ، ولم تغلق على نفسه المنافذ . . إنما يعد الضراء ابتلاء من ربه يصبر له فيؤجر . ويرجو فرج الله منها فيؤجر . وهو في الحالين لم يخف بخسا ولا رهقا . ولم يكابد بخسا ولا رهقا .

وصدق النفر المؤمن من الجن في تصوير هذه الحقيقة المنيرة .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعۡنَا ٱلۡهُدَىٰٓ ءَامَنَّا بِهِۦۖ فَمَن يُؤۡمِنۢ بِرَبِّهِۦ فَلَا يَخَافُ بَخۡسٗا وَلَا رَهَقٗا} (13)

{ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهدى } أي القرآن الذي هو الهدى بعينه { بِهِ إِنَّهُ } من غير تلعثم وتردد { فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ } وبما أنزله عز وجل { فَلاَ يَخَافُ } جواب الشرط ومثله من المنفي بلا يصح فيه دخول الفاء وتركها كما صرح به في شرح التسهيل إلا أن الأحسن تركها ولذا قدر ههنا مبتدأ لتكون الجملة اسمية ولزم اقترانها بالفاء إذا وقعت جواباً إلا فيما شذ من نحو :

من يفعل الحسنات الله يشكرها *** معلوم وبعضهم أوجب التقدير لزعمه عدم صحة دخول الفاء في ذلك أي فهو لا يخاف { بَخْساً } أي نقصاً في الجزاء وقال الراغب البخس نقصا الشيء على سبيل الظلم { وَلاَ رَهَقاً } أي غشيان ذلة من قوله تعالى { وترهقهم ذلة } [ يونس : 27 ] وأصله مطلق الغشيان وقال الراغب رهقه الأمر أي غشيه بقهر وفي الأساس رهقه دنا منه وصبى مراهق مدان للحلم وفي النهاية يقال رجل فيه رهق إذا كان يخف إلى الشر ويغشاه وحاصل المعنى فلا يخاف أن يبخس حقه ولا أن ترهقه ذلة فالمصدر أعني بخسا مقدر باعتبار المفعول وليس المعنى على أن غير المؤمن يبخس حقه بل النظر إلى تأكيد ما ثبت له من الجزاء وتوفيره كملا وأما غيره فلا نصيب له فضلاً عن الكمال وفيه أن ما يجزي به غير المؤمن مبخوس في نفسه وبالنسبة إلى هذا الحق فيه كل البخس وان لم يكن هناك بخس حق كذا في الكشف أو فلا يخاف بخسا ولا رهقاً لأنه لم يبخس أحداً حقاً ولا رهقه ظلماً فلا يخاف جزاءهما وليس من اضمار مضاف أعني الجزاء بل ذلك بيان لحاصل المعنى وان ما ذكر في نفسه مخوف فإنه يصح ان يقال خفت الذنب وخفت جزاءه لأن ما يتولد منه المحذور محذور وفيه دلالة على أن المؤمن لاجتنابه البخس والرهق لا يخافهما فإن عدم الخوف من المحذور إنما يكون لانتفاء المحذور وجاز أن يحمل على الاضمار وأصل الكلام فمن لا يبخس أحداً ولا يرهق ظلمه فلا يخاف جزاءهما فوضع ما في النظم الجليل موضعه تنبيهاً بالسبب على المسبب والأول كما قيل أظهر وأقرب مأخذاً وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في الآية لا يخاف نقصاً من حسناته ولا زيادة في سيئاته وأخرج عيد بن حميد عن قتادة أنه قال فلا يخاف بخساً ظلماً بأن يظلم من حسناته فينتقص منها شيء ولا رهقاً ولا أن يحمل عليه ذنب غيره وأخرج نحوه عن الحسن ولعل المعنى الأول أنسب بالترغيب بالإيمان وبلفظ الرهق أيضاً نظراً إلى ما سمعت من قوله تعالى { وترهقهم ذلة } [ يونس : 27 ] وقرأ ابن وثاب والأعمش فلا يخف بالجزم على أن لا ناهية لا نافية لأن الجواب المقترن بالفاء لا يصح جزمه وقيل الفاء زائدة ولا للنفي وليس بشيء وأياً ما كان فالقراءة الأولى أدل على تحقق أن المؤمن ناج لا محالة وانه هو المختص بذلك دون غيره وذلك لتقدير هو عليها وبناء الفعل عليه نحو هو عرف ويجتمع فيه التقوى والاختصاص إذا اقتضاهما المقام وقرأ ابن وثاب بخساً بفتح الخاء المعجمة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعۡنَا ٱلۡهُدَىٰٓ ءَامَنَّا بِهِۦۖ فَمَن يُؤۡمِنۢ بِرَبِّهِۦ فَلَا يَخَافُ بَخۡسٗا وَلَا رَهَقٗا} (13)

{ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى } وهو القرآن الكريم ، الهادي إلى الصراط المستقيم ، وعرفنا هدايته وإرشاده ، أثر في قلوبنا ف { آمَنَّا بِهِ } .

ثم ذكروا ما يرغب المؤمن فقالوا : { فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ } إيمانا صادقا { فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا } أي : لا نقصا ولا طغيانا ولا أذى يلحقه{[1251]} ، وإذا سلم من الشر حصل له الخير ، فالإيمان سبب داع إلى حصول كل خير وانتفاء كل شر .


[1251]:- في ب: فقالوا: "فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا" أي: من آمن به إيمانا صادقا فلا عليه نقص ولا أذى يلحقه.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعۡنَا ٱلۡهُدَىٰٓ ءَامَنَّا بِهِۦۖ فَمَن يُؤۡمِنۢ بِرَبِّهِۦ فَلَا يَخَافُ بَخۡسٗا وَلَا رَهَقٗا} (13)

قوله : { وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به } يعني لما سمعنا القرآن صدقناه وأيقنا أنه من عند الله لهداية العالمين { فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا } من يؤمن بالله وحده لا شريك له ويطعه ويعمل صالحا { فلا يخاف بخسا } البخس معناه النقص . أي لا ينقص من حسناته { ولا رهقا } أي ولا يزاد في سيئاته . والرهق معناه العدوان والطغيان .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعۡنَا ٱلۡهُدَىٰٓ ءَامَنَّا بِهِۦۖ فَمَن يُؤۡمِنۢ بِرَبِّهِۦ فَلَا يَخَافُ بَخۡسٗا وَلَا رَهَقٗا} (13)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وأنا لما سمعنا الهدى} يعني القرآن.

{آمنا به}: صدقنا به أنه من الله تعالى.

{فمن يؤمن بربه} فمن يصدق بتوحيد الله عز وجل.

{فلا يخاف} في الآخرة.

{بخسا}: لن ينقص من حسناته شيئا،

{ولا} يخاف {رهقا} يقول: لا يخاف أن يظلم حسناته كلها حتى يجازى بعمله السيئ كله.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"وأنّا لَمّا سَمِعْنا الهُدَى آمَنّا بِهِ": قالوا: وأنا لما سمعنا القرآن الذي يهدي إلى الطريق المستقيم صدّقنا به، وأقررنا أنه حق من عند الله.

"فمن يؤمن بربه فَلا يَخافُ بَخْسا وَلا رَهَقا": فمن يصدّق بربه "فلا يخاف بخسا": لا يخاف أن ينقص من حسناته، فلا يجازى عليها. "ولا رَهَقا": ولا إثما يحمل عليه من سيئات غيره... عن ابن عباس، قوله "فَلا يَخافُ بَخْسا وَلا رَهَقا" يقول: ولا يخاف أن يبخس من عمله شيء.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{فمن يؤمن بربّه فلا يخافُ بخساً ولا رَهقاً} قال ابن عباس: لا يخاف نقصاً في حسناته، ولا زيادة في سيئاته، لأن البخس النقصان، والرهق: العدوان.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

... {بَخْساً وَلاَ رَهَقاً} أي جزاء بخس ولا رهق، لأنه لم يبخس أحداً حقاً ولا رهق ظلم أحد فلا يخاف جزاءهما. وفيه دلالة على أن من حق من آمن باللَّه أن يجتنب المظالم. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: « المؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم» ويجوز أن يراد: فلا يخاف أن يبخس بل يجزى الجزاء الأوفى، ولا أن ترهقه ذلة، من قوله عز وجل: {ترهقهم ذلة} [القلم: 43].

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان الظانّ قد يبادر على العمل بموجب ظنه وقد لا، بينوا أن مرادهم به العلم، وأنهم بادروا إلى العمل بما دعا إليه، فقالوا مؤكدين لما للجن من الإباء والعسر: {وإنا لما سمعنا} أي من النبي صلى الله عليه وسلم {الهدى} أي القرآن الذي له من العراقة التامة في صفة البيان والدعاء إلى الخير ما سوغ أن يطلق عليه نفس الهدى: {آمنا به} أي من غير وقفة أصلاً عملاً بما له من هذا الوصف العظيم.

ولما كان التقدير: فآمنا بسبب إيماننا الذي قادنا إليه حفظ السماء من الإيقاع بنا لتمام قدرته علينا الذي هدانا إليه منعنا من الاستماع بالحراسة، سببوا عن ذلك قولهم معترفين بالعجز عن مقاومة التهديد من الملك طالبين التحصن بتحصينه والاعتصام بحبله: {فمن يؤمن} أي يوجد حقيقة الإيمان ويستمر على تجديدها كل لحظة.

ولما فهموا أن دعاءه إليه وبيانه للطريق مع قدرته التامة إنما هو من عموم لطفه ورحمته، ذكروا وصف الإحسان لزيادة الترغيب فقالوا: {بربه} أي المحسن إليه منا ومن غيرنا.

ولما كان المؤمن هو المختص من بين الخلق بالنجاة، أدخل الفاء على الجواب ورفعه على تقدير مبتدأ دلالة على ذلك وعلى أن نجاتهم ما لا بد منه فقال: {فلا} أي فهو خاصة لا {يخاف} أصلاً {بخساً} أي نقصاً وقلة وخبثاً ونكداً في الثواب والإكرام بوجه من الوجوه {ولا رهقاً} أي مكروهاً يلحقه فيقهره لأنه لم يفعل مع أحد شيئاً من ذلك ليجازى عليه، فهذا حث للمؤمن على اجتناب ذلك لئلا يجازى به، وقد هدى السياق إلى تقدير: ومن يشرك به فلا، يأمن محقاً ولا صعقاً.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يصفون حالهم عندما سمعوا الهدى، وقد قرروه من قبل، ولكنهم يكررونه هنا بمناسبة الحديث عن فرقهم وطوائفهم تجاه الإيمان: (وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به).. كما ينبغي لكل من يسمع الهدى. وهم سمعوا القرآن. ولكنهم يسمونه هدى كما هي حقيقته ونتيجته. ثم يقررون ثقتهم في ربهم، وهي ثقة المؤمن في مولاه: (فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا).. وهي ثقة المطمئن إلى عدل الله، وإلى قدرته، ثم إلى طبيعة الإيمان وحقيقته.. فالله -سبحانه- عادل، ولن يبخس المؤمن حقه، ولن يرهقه بما فوق طاقته. والله -سبحانه- قادر. فسيحمي عبده المؤمن من البخس وهو نقص الاستحقاق إطلاقا، ومن الرهق وهو الجهد والمشقة فوق الطاقة.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

بعد أن ذكروا قومهم بعذاب الله في الدنيا أو اطمأنوا بتذكُّر ذلك في نفوسهم، عادوا إلى ترغيبهم في الإِيمان بالله وحده، وتحذيرهم من الكفر بطريق المفهوم. وأريد بالهدى القرآن إذ هو المسموع لهم ووصفوه بالهدى للمبالغة في أنه هاد. ومعنى {يؤمن بربه،} أي بوجوده وانفراده بالإِلهية كما يشعر به إحضار اسمه بعنوان الرب إذ الرب هو الخالق فما لا يخلق لا يعبد.