تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعۡنَا ٱلۡهُدَىٰٓ ءَامَنَّا بِهِۦۖ فَمَن يُؤۡمِنۢ بِرَبِّهِۦ فَلَا يَخَافُ بَخۡسٗا وَلَا رَهَقٗا} (13)

الآية 13 : وقوله تعالى : { وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به } فالهدى ، هو الدعاء إلى الحق ، فيحتمل أن يكون لما دعينا إلى الحق ، وهو القرآن ، آمنا به .

ألا ترى إلى قوله عز وجل : { يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم }[ الأحقاف : 30 ] وقوله{[22301]} تعالى في أول السورة : { يهدي إلى الرشد } ؟ [ الجن : 2 ] .

ويجوز{[22302]} أن يكون الهدى ، هو الاهتداء ، أي لما سمعنا ما به اهتدينا .

وظن أبو بكر الأصم أنهم كانوا كفرة إلى أن سمعوا الهدى ، فآمنوا به ؛ لأنهم{[22303]} لو كانوا/603 أ/ على الهدى من قبل لكان الإيمان منهم سابقا ، فلا يجوز لقوله{ فآمنا به } وقد آمنوا به من قبل ، معنى . وليس يثبت كفرهم بما ذكر لأنه قد يجوز ان يكونوا على الإيمان ، فلما{[22304]} سمعوا الهدى أحدثوا إيمانا بهذا الهدى على ما سبق منهم من الإيمان بالجملة .

ألا ترى إلى قوله عز وجل : { فزادتهم إيمانا }[ التوبة : 124 ] وقوله{[22305]} : { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } ؟ [ الفتح : 4 ] أي زادوا إيمانا لتفسير مع ما سبق منهم من الإيمان بالجملة[ لا ]{[22306]} أنهم لم يكونوا من قبل مؤمنين ، فأحدثوه للحال ، وكذلك قولهم{[22307]} : { اهدنا الصراط المستقيم } [ الفاتحة : 6 ] [ وقد هدوا الصراط المستقيم ]{[22308]} ولكنهم يريدون بهذا الدعاء : أن اهدنا بالإشارة إليه والتعيين الصراط المستقيم على ما هديتنا في الجملة . فكذلك إحداثهم الإيمان بما سمعوا من الهدى ، لا ينفي عنهم الإيمان في ما سبق من الأوقات ، بل يجوز أن يكونوا مؤمنين من قبل ، ثم يحدثوا{[22309]} الإيمان بكل أمر يجيئهم من عند الله عز وجل ولا يدل إيمانهم على أنهم لم يكونوا من قبل مسلمين ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا } قال ، رحمه الله : إنه لا أحد من أهل الإيمان من جني ولا إنسي يخاف البخس والرهق من الله تعالى إلا المعتزلة ؛ فإنهم يخافون ذلك لأنهم ليسوا يخرجون مرتكبي الكبائر ، بل{[22310]} يطلقون القول فيهم : إنهم يخلدون في النار ، وفي التخليد تخويف البخس والرهق ، بل فيه ما يزيد على البخس ، وهو النقصان ، وفي التخليد ذهاب منفعة الإيمان ومنفعة الخيرات التي سبقت منهم .

وقال تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا }[ البقرة : 286 ] والمعتزلة تزعم أنه لو آخذهم بالخطأ والنسيان كان جائرا ، وقال : { ربنا لا تزغ قلوبنا إذ هديتنا }[ آل عمران : 8 ] وهم يزعمون أنه لو أزاغ قلوبهم بعد الهدى كان منه جورا وظلما ؛ فهم أبدا على خوف من جور ربهم ، ونحن نقول : إنه لو آخذهم به كان يكون ذلك منه عدلا ، وإذا عفا عنهم كان ذلك منه إنعاما وإفضالا .

فنحن ندعو الله تعالى ، ونتضرع إليه ألا يعاملنا بعدله ، فنهلك ، بل[ ندعوه أن ]{[22311]} يعاملنا بالإفضال والإنعام .

وعلى قول المعتزلة : [ من ]{[22312]} ارتكب كبيرة ردت عليه حسناته ، وصار عدوا لله تعالى[ وخلد ]{[22313]} وفي النار أبدا الآبدين ، والله تعالى يقول : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها }[ النساء : 40 ] وأولى الحسنات التي تستوجب عليها المضاعفة ، هي الإيمان بالله تعالى ، فلا يجوز أن يخلد في النار ، وتذهب عنه منفعة الإيمان{ سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا }[ الإسراء : 43 ] .

ثم قوله تعالى : { بخسا ولا رهقا } يحتمل وجهين :

أحدهما : البخس النقصان أي لا ينقص من حسناته ، والرهق الظلم ، كقوله تعالى : { فلا يخاف ظلما ولا هضما }[ طه : 112 ] ولا يحمل عليه من سيئات ارتكبها غيره :

والثاني : { فلا يخاف بخسا } أي لا تقبل حسناته إذا تاب{ ولا رهقا } أي يظلم فلا تحسب له حسناته شيئا .


[22301]:في الأصل و م: وقال الله.
[22302]:الواو ساقطة من الأصل.
[22303]:في الأصل و م: لأنه.
[22304]:في الأصل و م: فلا.
[22305]:في الأصل و م: وقال.
[22306]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل و م.
[22307]:في الأصل و م: قال.
[22308]:من م، ساقطة من الأصل.
[22309]:في الأصل و م: يحدثون.
[22310]:في الأص و م: ثم.
[22311]:ساقطة من الأصل و م.
[22312]:من نسخة الحرم المكي ساقطة من الأصل و م.
[22313]:من نسخة الحرم المكي ساقطة من الأصل و م.