اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعۡنَا ٱلۡهُدَىٰٓ ءَامَنَّا بِهِۦۖ فَمَن يُؤۡمِنۢ بِرَبِّهِۦ فَلَا يَخَافُ بَخۡسٗا وَلَا رَهَقٗا} (13)

قوله : { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهدى } ، يعني القرآن «آمنَّا بِهِ » ، وباللَّه ، وصدقنا محمداً صلى الله عليه وسلم على رسالته ، وكان صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى الإنس والجنِّ .

قال الحسن - رضي الله عنه - بعث محمدٌ صلى الله عليه وسلم إلى الإنس والجن ولم يبعث الله قط رسولاً من الجنِّ ولا من أهل البادية ولا من النِّساء ، وذلك قوله تعالى :{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ القرى }{[58150]}[ يوسف : 109 ] .

وفي الحديث : «بُعثْتُ إلى الأحْمَرِ والأسْودِ » ، أي : الإنس والجن{[58151]} . وقد تقدم هذا الكلام في سورة الأنعام في قوله تعالى : { يَا مَعْشَرَ الجن والإنس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ }[ الآية : 130 ] .

قوله : { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } .

قال ابنُ عباس : لا يخاف أن ينقص من حسناته ، ولا أن يزاد في سيئاته{[58152]} ؛ لأن البخس : النقصان ، والرهق : العدوان ، وغشيان المحارمِ ، وقد تقدم في بيت الأعشى .

قوله : «فَلا يَخَافُ » ، أي : فهو لا يخافُ ، أي فهو غير خائف ؛ ولأن الكلام في تقدير مبتدأ وخبر فلذلك دخلت الفاءُ ، ولولا ذلك لقيل : لا يخف ، قاله الزمشخريُّ .

ثم قال : «فإن قلت : أي فائدة في رفع الفعل ، وتقدير مبتدأ قبله حتى يقع خبراً له ووجوب إدخال الفاء ، وكان كل ذلك مستغنى عنه بأن يقال : لا يخف ؟ .

قلتُ : الفائدة أنَّه إذا فعل ذلك فكأنه قيل : " فهُو لا يخَافُ " ، فكان دالاً على تحقيق أن المؤمن ناجٍ لا محالة وأنَّه هو المختص بذلك دُون غيره » .

قال شهاب الدين{[58153]} : «وسببُ ذلك أن الجملة تكون اسمية حينئذٍ ، والاسمية أدلُ على التحقيقِ والثبوتِ من الفعلية » .

وقرأ ابن وثاب{[58154]} والأعمشُ : بالجزم ، وفيها وجهان :

أحدهما : ولم يذكر الزمخشريُّ غيره ، أن «لا » نافية ، والفاء حينئذ واجبة{[58155]} .

والثاني : أنها نافية ، والفاء حينئذٍ زائدةٌ ، وهذا ضعيفٌ .

وقوله «بَخْساً » ، فيه حذف مضاف ، أي : جزاء بخس ، كذا قرره الزمخشريُّ .

وهو مستغنى عنه .

وقرأ ابن{[58156]} وثاب : «بَخَساً » بفتح الخاء .

قال القرطبيُّ{[58157]} : وقرأ الأعمش ويحيى وإبراهيم : «فَلا يَخفْ » جزماً على جواب الشرط ، وإلغاء الفاء أيضاً .


[58150]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (6/113) والقرطبي (19/12).
[58151]:تقدم.
[58152]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/12).
[58153]:الدر المصون 6/394.
[58154]:ينظر: الكشاف 4/628، والمحرر الوجيز 5/382، والدر المصون 6/394.
[58155]:في أ: زائدة.
[58156]:ينظر: البحر المحيط 8/344.
[58157]:الجامع لأحكام القرآن 19/12.