مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعۡنَا ٱلۡهُدَىٰٓ ءَامَنَّا بِهِۦۖ فَمَن يُؤۡمِنۢ بِرَبِّهِۦ فَلَا يَخَافُ بَخۡسٗا وَلَا رَهَقٗا} (13)

النوع الثاني عشر : قوله تعالى : { وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا } { لما سمعنا الهدى } أي القرآن ، قال تعالى : { هدى للمتقين آمنا به } أي آمنا بالقرآن { فلا يخاف } فهو لا يخاف أي فهو غير خائف ، وعلى هذا يكون الكلام في تقدير جملة من المبتدأ والخبر ، أدخل الفاء عليها لتصير جزاء للشرط الذي تقدمها ، ولولا ذاك لقيل : لا يخف ، فإن قيل : أي فائدة في رفع الفعل ، وتقدير مبتدأ قبله حتى يقع خبرا له ووجوب إدخال الفاء ، وكان ذلك كله مستغنى عنه بأن يقال : لا يخف قلنا : الفائدة فيه أنه إذا فعل ذلك ، فكأنه قيل : فهو لا يخاف ، فكان دالا على تحقيق أن المؤمن ناج لا محالة ، وأنه هو المختص لذلك دون غيره ، لأن قوله : فهو لا يخاف معناه أن غيره يكون خائفا ، وقرأ الأعمش : { فلا يخف } ، وقوله تعالى : { بخسا ولا رهقا } البخس النقص ، والرهق الظلم ، ثم فيه وجهان ( الأول ) : لا يخاف جزاء بخس ولا رهق ، لأنه لم يبخس أحدا حقا ، ولا ظلم أحدا ، فلا يخاف جزاءهما ( الثاني ) : لا يخاف أن يبخس ، بل يقطع بأنه يجزي الجزاء الأوفى ، ولا يخاف أن ترهقه ذلة من قوله : { ترهقهم ذلة } .