في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ} (22)

16

وفي هذا الموقف العصيب يقال له : ( لقد كنت في غفلة من هذا . فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) . . قوي لا يحجبه حجاب ، وهذا هو الموعد الذي غفلت عنه ، وهذا هو الموقف الذي لم تحسب حسابه ، وهذه هي النهاية التي كنت لا تتوقعها . فالآن فانظر . فبصرك اليوم حديد !

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ} (22)

وقوله تعالى : { لَقَدِ كُنت في غَفْلَةٍ مّنْ هذا } محكي بإضمار قول ، والجملة استئناف مبني على سؤال نشأ مما قبله كأنه قيل : فماذا يكون بعد النفخ ومجيء كل نفس معها سائق وشهيد ؟ فقيل : يقال للكافر الغافر إذا عاين الحقائق التي لم يصدق بها في الدنيا من البعث وغيره لقد كنت في غفلة من هذا الذي تعاينه ، فالخطاب للكافر كما قال ابن عباس . وصالح بن كيسان ، وتنكير الغفلة وجعله فيها وهي فيه يدل على أنها غفلة تامة ، وهكذا غفلة الكفرة عن الآخرة وما فيها ، وقيل : لجملة محكية بإضمار قول هو صفة لنفس أو حال والخطاب عام أي يقال لكل نفس أو قد قيل لها : لقد كنت ، والمراد بالغفلة الذهول مطلقاً سواء كان بعد العلم أم لا ، وما من أحد إلا وله غفلة ما من الآخرة وما فيها ، وجوز الاستئناف على عموم الخطان أيضاً . وقرأ الجحدري { لَّقَدْ كُنتَ } بكسر التاء على مخاطبة النفس وهي مؤنثة وتذكيرها في قوله :

يا نفس إنك باللذات مسرور *** على تأويلها بالشخص ، ولا يلزم في قراءة الجمهور لأن التعبير بالنفس في الحكاية لا يستدعي اعتباره في المحكى كما لا يخفى .

{ فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ } الغذاء الحجاب المغطى لأمور المعاد وهو الغفلة والانهماك في المحسوسات والألف بها وقصر النظر عليها ، وجعل ذلك غطاء مجازاً ، وهو إما غطاء الجسد كله أو العينين ، وعلى كليهما يصح قوله تعالى : { فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ } أي نافذ لزوال المانع للابصار ، أما على الثاني فظاهر ، وأما على الأول فلأن غطاء الجسد كله غطاء للعينين أيضاً فكشفه عنه يستدعي كشفه عنهما . وزعم بعضهم أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى كنت في غفلة من هذا الذي ذكرناه من أمر النفخ والبعث ومجيء كل نفس معها سائق وشهيد وغير ذلك فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي وتعليم القرآن فبصرك اليوم حديد ترى ما لا يرون وتعلم ما لا يعلمون ، ولعمري أنه زعم ساقط لا يوافق السباق ولا السياق . وفي «البحر » وعن زيد بن أسلم قول في هذه الآية يحرم نقله وهو في كتاب ابن عطية انتهى ، ولعله أراد به هذا لكن في دعوى حرمة النقل بحث ، وقرأ الجحدري . وطلحة بن مصرف بكسر الكافات الثلاثة أعني كاف { عَنكَ } وما بعده على خطاب النفس ، ولم ينقل «صاحب اللوامح » الكسر في الكاف إلا عن طلحة وقال : لم أجد عنه في { لَّقَدْ كُنتَ } الكسر فإن كسر فيه أيضاً وإن فتح يكون قد حمل ذلك على لفظ { كُلٌّ } وحمل الكسر فيما بعده على معناه لإضافته إلى { نَفْسٌ } وهو مثل قوله تعالى : { فَلَهُ أَجْرُهُ } [ البقرة : 112 ] وقوله سبحانه بعده { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [ البقرة : 112 ] انتهى .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ} (22)

ولكن أكثر الناس غافلون ، ولهذا قال : { لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا } أي : يقال للمعرض المكذب يوم القيامة هذا الكلام ، توبيخًا ، ولومًا وتعنيفًا أي : لقد كنت مكذبًا بهذا ، تاركًا للعمل له فالآن { كشفنا عَنْكَ غِطَاءَكَ } الذي غطى قلبك ، فكثر نومك ، واستمر{[827]} إعراضك ، { فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } ينظر ما يزعجه ويروعه ، من أنواع العذاب والنكال .

أو هذا خطاب من الله للعبد ، فإنه في الدنيا ، في غفلة{[828]}  عما خلق له ، ولكنه يوم القيامة ، ينتبه ويزول عنه وسنه ، ولكنه في وقت لا يمكنه أن يتدارك الفارط ، ولا يستدرك الفائت ، وهذا كله تخويف من الله للعباد ، وترهيب ، بذكر ما يكون على المكذبين ، في ذلك اليوم العظيم .


[827]:- كذا في ب، وفي أ: ودام.
[828]:- كذا في ب، وفي أ: أنه في غفلة في الدنيا.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ} (22)

فيقول الله لها : { لقد كنت في غفلة من هذا } اليوم في الدنيا ، { فكشفنا عنك غطاءك } الذي كان في الدنيا على قلبك وسمعك وبصرك ، { فبصرك اليوم حديد } نافذ تبصر ما كنت تنكر في الدنيا . وروي عن مجاهد قال : يعني نظرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيئاتك .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ} (22)

قوله : { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك } والمخاطب الإنسان سواء كان برا أو فاجرا ، إذ يقال له إذا سيق إلى الحشر : لقد كنت غافلا عن هذا اليوم وما فيه من الأهوال فأظهرناه لعينيك فعاينته فأنت اليوم نافذ البصر . أو ذو بصر نافذ قوي{[4320]} .


[4320]:تفسير القرطبي جـ 17 ص 14، 15 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 224 وتفسير الرازي جـ 28 ص 164.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ} (22)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{لقد كنت} يا كافر {في غفلة من هذا} اليوم {فكشفنا عنك غطاءك} يعني عن غطاء الآخرة {فبصرك اليوم حديد} يعني يشخص بصره، ويديم النظر فلا يطرف حتى يعاين في الآخرة ما كان يكذب به في الدنيا...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا "يقول تعالى ذكره: يقال له: لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم أيها الأنسان من الأهوال والشدائد "فَكَشَفْنا عَنْكَ غطاءَكَ" يقول: فجلينا ذلك لك، وأظهرناه لعينيك، حتى رأيته وعاينته، فزالت الغفلة عنك... وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن اختلفوا في المقول ذلك له، فقال بعضهم: المقول ذلك له الكافر. وقال آخرون: هو نبيّ الله صلى الله عليه وسلم. وقال آخرون: هو جميع الخلق من الجنّ والإنس... [وهذا ما رجحه الطبري]

"فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكُ اليَوْمَ حَدِيدٌ" قال: وكُشِف الغطاء عن البرّ والفاجر، فرأى كلّ ما يصير إليه... عن ابن عباس، قوله: "فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ" قال: الحياة بعد الموت... عن قتادة، قوله: "لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ" قال: عاين الآخرة.

وقوله: "فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ" يقول: فأنت اليوم نافذ البصر، عالم بما كنت عنه في الدنيا في غفلة، وهو من قولهم: فلان بصير بهذا الأمر: إذا كان ذا علم به، وله بهذا الأمر بصر: أي علم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

لقد كنت في الدنيا في غفلة من هذا الذي تُعاين، وتشاهد، أو في غفلة مما أوعدت من المواعيد والشدائد التي عاينتها {فكشفنا عنك غطاءك} أي كشفنا عنك الشُّبَه التي تمنع وقوع العلم به والتجلّي له {فبصرك اليوم حديد} أي ثاقب نيِّر يُبصر الحق كقوله تعالى: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا} [مريم: 38]. وقيل: {حديد} من الحِدّة أي نافذ، لا يخفى عليه شيء، فكأنه أراد، والله أعلم بقوله تعالى: إنك كنت في الدنيا جاهلا عن هذا اليوم وعن هذه الحال، والآن قد عاينت ما كنت عنه في غفلة، وأيقنت به...

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

(لقد كنت في غفلة من هذا) يقال: إن هذا في الكفار؛ لأنهم في الغفلة من الآخرة على الحقيقة. ويقال: في كل غافل. وقوله: (فكشفنا عنك غطاءك) أي: كشفنا عنك ما غشيك وغطى سمعك وبصرك وعقلك، حتى لم تسمع ولم تبصر ولم تعقل الحق...

جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :

الحياة الدنيا نوم بالإضافة إلى الآخرة، فإذا مات ظهرت له الأشياء على ما يشاهده الآن،... بعد الموت وعند ذلك ينكشف الغطاء وتنجلي الأسرار ويصادف كل أحد ما قدمه من خير أو شر محضرا، ويشاهد كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وعندها يقال له: فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} إنما الغطاء: الخيال والوهم...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

جعلت الغفلة كأنها غطاء غطى به جسده كله أو غشاوة غطى بها عينيه فهو لا يبصر شيئاً؛ فإذا كان يوم القيامة تيقظ وزالت الغفلة عنه وغطاؤها فيبصر ما لم يبصره من الحق. ورجع بصره الكليل عن الإبصار لغفلته: حديداً لتيقظه...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

والخطاب عام؛ أما الكافر فمعلوم الدخول في هذا الحكم، وأما المؤمن فإنه يزداد علما ويظهر له ما كان مخفيا عنه، ويرى علمه يقينا رأى المعتبر يقينا فيكون بالنسبة إلى تلك الأحوال وشدة الأهوال كالغافل...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{لقد كنت} أي كوناً كأنه جبلة لك {في غفلة} أي عظيمة محيطة بك ناشئة لك {من هذا} أي من تصور هذا اليوم على ما هو عليه من انقطاع الأسباب، والجزاء بالثواب أو العقاب لأنه على شدة جلائه خفي على من اتبع الشهوات {فكشفنا} بعظمتنا بالموت ثم بالعبث {عنك غطاءك} الذي كان يحجبك عن رؤيته من الغفلة بالآمال في الجاه والأموال وسائر الحظوظ والشهوات...

. {فبصرك اليوم} أي بعد البعث {حديد} أي في غاية الحدة والنفوذ، فلذا تقر بما كنت تنكر.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(لقد كنت في غفلة من هذا. فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد).. قوي لا يحجبه حجاب، وهذا هو الموعد الذي غفلت عنه، وهذا هو الموقف الذي لم تحسب حسابه، وهذه هي النهاية التي كنت لا تتوقعها. فالآن فانظر. فبصرك اليوم حديد!...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

مقول قول محذوف دل عليه تعينه من الخطاب، أي يقال هذا الكلام لكل نفس من نفوس المشركين فهو خطاب التهكم التوبيخي للنفس الكافرة لأن المؤمن لم يكن في غفلة عن الحشر والجزاء.

وجملة القول ومقوله في موضع الحال من {كل نفس} [ق: 21] أو موقع الصفة، وعلامات الخطاب في كلمات {كُنتَ} و {عنكَ} و {غطاءكَ} و {بصركَ} مفتوحة لتأويل النفس بالشخص أو بالإنسان ثم غُلب فيه التذكير على التأنيث. وهذا الكلام صادر من جانب الله تعالى وهو شروع في ذكر الحساب.

والغفلة: الذهول عما شأنه أن يُعلم وأطلقت هنا على الإنكار والجحد على سبيل التهكم، ورشَّح ذلك قولُه {فكشفنا عنك غطاءك} بمعنى: بيّنا لك الدليل بالحس فهو أيضاً تهكّم. وأوثر قوله: {في غفلة} على أن يقال غافلاً للدلالة على تمكن الغفلة منه ولذلك استتبع تمثيلَها بالغطاء.

وكشف الغطاء تمثيل لحصول اليقين بالشيء بعد إنكار وقوعه، أي كشفنا عنك الغطاء الذي كان يحجب عنك وقوع هذا اليوم بما فيه، وأسند الكشف إلى الله تعالى لأنه الذي أظهر لها أسباب حصول اليقين بشواهد عَيْن اليقين. وأضيف (غطاء) إلى ضمير الإنسان المخاطب للدلالة على اختصاصه به وأنه مما يعرف به.

وحدة البصر: قوة نفاذه في المَرئي، وحدّة كل شيء قوةُ مفعوله، ومنه حدة الذهن، والكلام يتضمن تشبيه حصول اليقين برؤية المرئي ببصر قوي، وتقييده بقوله: {اليوم} تعريض بالتوبيخ، أي ليس حالك اليوم كحالك قبل اليوم إذ كنت في الدنيا منكراً للبعث.

والمعنى: فقد شاهدتَ البعث والحشر والجزاء، فإنهم كانوا ينكرون ذلك كله، قالوا {أإذا متنا وكنّا تراباً وعظاماً أئنا المدينون} [الصافات: 53] وقالوا: {وما نحن بمعذبين} [الصافات: 59] فقد رأى العذاب ببصره.