في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ} (23)

وبعد هذه اللمسات الثلاث في الأرض والنفس والسماء . يقسم الله سبحانه بذاته العلية على صدق هذا الحديث كله :

( فورب السماء والأرض إنه لحق مثلما أنكم تنطقون . . )

وكونهم ينطقون ، حقيقة بين أيديهم ، لا يجادلون فيها ولا يمارون ، ولا يرتابون فيها ولا يخرصون . . وكذلك هذا الحديث كله . والله أصدق القائلين .

وقد روى الأصمعي نادرة ذكرها الزمخشري في الكشاف ، ونسوقها نحن لطرافتها - في تحفظ من جانب الرواية ! - قال :

[ أقبلت من جامع البصرة ، فطلع أعرابي على قعود له . فقال : ممن الرجل ? قلت : من بني أصمع . قال : من أين أقبلت ? قلت : من موضع يتلى فيه كلام الرحمن . فقال : اتل علي . فتلوت : ( والذاريات ) . . فلما بلغت قوله تعالى : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون )قال : حسبك ! فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر ؛ وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى ! فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف ؛ فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت دقيق . فالتفت ، فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر . فسلم علي واستقرأ السورة . فلما بلغت الآية صاح وقال : قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، ثم قال : وهل غير هذا ? فقرأت : ( فورب السماء والأرض إنه لحق ) . . فصاح قال : يا سبحان الله . من الذي أغضب الجليل حتى حلف ? لم يصدقوه بقوله حتى ألجأوه إلى اليمين ! قالها ثلاثا وخرجت معها نفسه ] . .

وهي نادرة تصح أو لا تصح . ولكنها تذكرنا بجلال هذا القسم من الله سبحانه . القسم بذاته . بصفته : رب السماء والأرض . مما يزيد الحقيقة المقسم عليها جلالا . وهي حقيقة بلا قسم ولا يمين .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ} (23)

{ فَوَرَبّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ } على أن ضمير { أَنَّهُ } { لَّمّاً } وعلى ما تقدم ، فإما له أو للرزق ، أو لله تعالى ، أو للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو للقرآن ، أو للدين في { إِنَّ الدّينَ لَوَاقِعٌ } [ الذاريات : 6 ] أو لليوم المذكور في { أَيَّانَ يَوْمُ الدين } [ الذاريات : 12 ] أو لجميع المذكور ( أَمَّا مَا أقوال ) ، واستظهر أبو حيان الأخير منها وهو مروى عن ابن جريج أي أن جميع ما ذكرناه من أول السورة إلى هنا لحق { لَحَقٌّ مّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } أي مثل نطقكم كما أنه لا شك لكم في أنكم تنطقون ينبغي أن لا تشكوا في حقية ذلك وهذا كقول الناس : إن هذا لحق كما أنك ترى وتسمع ، ونصب { مَثَلُ } على الحالية من المستكن في { لَحَقُّ } وهو لا يتعرف بالإضافة لتوغله في التنكير ، أو على الوصف لمصدر محذوف أي إنه حق حقاً مثل نطقكم ، وقيل : إنه مبني على الفتح فقال المازني : لتركبه مع { مَا } حتى صارا شيئاً واحداً نحو ويحما وأنشدوا لبناء الاسم معها قول الشاعر

: أثور «ما » أصيدكم أم ثورين *** أم هذه الجماء ذات القرنين

وقال غيره : لإضافته إلى غير متمكن وهو { مَا } إن كانت نكرة موصوفة بمعنى شيء ، أو موصولة بمعنى الذي و { إِنَّكُمْ } الخ خبر مبتدأ محذوف أي هو { إِنَّكُمْ } الخ ، والجملة صفة ، أو صلة ، أو هو أن بما في حيزها إن جعلت { مَا } زائدة ، وهو نص الخليل ومحله على البناء الرفع على أنه صفة { لَحَقُّ } أو خبر ثان ويؤيده قراءة حمزة . والكسائي . وأبي بكر . والحسن . وابن أبي إسحاق . والأعمش بخلاف عن ثلاثتهم { مَثَلُ } بالرفع ، وفي «البحر » أن الكوفيين يجعلون مثلاً ظرفاً فينصبونه على الظرفية ويجيزون زيد مثلك بالنصب ، وعليه يجوز أن يكون في قراءة الجمهور منصوباً على الظرفية واستدلالهم ، والرد عليهم مذكور في النحو وفي الآية من تأكيد حقية المذكور ما لا يخفى ، وأخرج ابن جرير . وابن أبي حاتم عن الحسن أنه قال فيها : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قاتل الله قوماً أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا " وعن الأصمعي أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابي على قعود فقال : ممن الرجل ؟ قلت : من بني أصمع قال : من أين أقبلت : من موضع يتلى فيه كلام الرحمن قال : اتل علي فتلوت { والذريات } [ الذاريات : 1 ] فلما بلغت { وَفِى السماء رِزْقُكُمْ } [ الذاريات : 22 ] قال : حسبك فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق فالتفت فإذا بالأعرابي قد نحل واصفر فسلم علي واستقرأ السورة فلما بلغت الآية صاح وقال : قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً ثم قال : وهل غير هذا ؟ فقرأت { فَوَرَبّ السماء والارض إِنَّهُ لَحَقٌّ } فصاح وقال : يا سبحان الله من ذا أغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى ألجأوه إلى اليمين قالها ثلاثاً وخرجت معها نفسه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ} (23)

فلما بين الآيات ونبه عليها تنبيهًا ، ينتبه به الذكي اللبيب ، أقسم تعالى على أن وعده وجزاءه حق ، وشبه ذلك ، بأظهر الأشياء [ لنا ] وهو النطق ، فقال : { فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ } فكما لا تشكون في نطقكم ، فكذلك لا ينبغي الشك في البعث بعد الموت{[848]} .


[848]:- في ب: فكذلك ينبغي أنلايعتريكم الشك في البعث والجزاء.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ} (23)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم أقسم الرب تعالى بنفسه: {فورب السماء والأرض إنه لحق} يعني لكائن، يعني أمر الساعة {مثل ما أنكم تنطقون} يعني تتكلمون...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره مقسما لخلقه بنفسه: فوربّ السماء والأرض، إن الذي قلت لكم أيها الناس: إن في السماء رزقكم وما توعدون لحقّ، كما حقّ أنكم تنطقون...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فوَربّ السماء والأرض إنه لحقٌّ} يحتمل قوله {إنه لحق} أي الساعة والقيامة، ويحتمل {إنه لحق} أي جميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم...

{مثل ما أنكم تنطِقون} يحتمل أن يقول، والله أعلم: كما أنكم لا تشُكّون في ما تنطقون، فعلى ذلك لا تشكّوا في أمر الساعة قيامها وكونها كما يقال: هذا ظاهر بيّن كالنار...

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

"مثل ما أنكم تنطقون " وخص النطق من بين سائر الحواس؛ لأن ما سواه من الحواس يدخله التشبيه، كالذي يرى في المرآة، واستحالة الذوق عند غلبة الصفراء ونحوها، والدَّوِيُّ والطنين في الأذن، والنطق سالم من ذلك، ولا يعترض بالصدى لأنه لا يكون إلا بعد حصول الكلام من الناطق غير مشوب بما يشكل به...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فورب} أي مبدع ومدبر {السماء والأرض} بما أودع فيهما مما علمتموه وما لم تعلموه {إنه} أي الذي توعدونه من الخير والشر والجنة والنار وتقدم الإقسام عليه أنه صادق {لحق} أي ثابت يطابقه الواقع فقد جمع الحق مع الصدق {مثل ما أنكم} أي وأنتم مساوون لبقية ما في الأرض من الجمادات وغيرها {تنطقون} نطقاً مجدداً في كل وقت مستمراً، ليس هو بخيال ولا سحر، أي أن ذلك لحق مثل ما أن هذا حق، فالذي جعل لكم قوة النطق من بين ما في الأرض بأسباب لا ترونها وتحصونها، ومع ما عداكم من ذلك بأسباب مثل ذلك- قادر على الإتيان بوعده من الرزق وغيره ما دمتم تحتاجون إلى ذلك...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وكونهم ينطقون، حقيقة بين أيديهم، لا يجادلون فيها ولا يمارون، ولا يرتابون فيها ولا يخرصون.. وكذلك هذا الحديث كله. والله أصدق القائلين...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

(فوربّ السماء والأرض إنّه لحقّ مثل ما أنكم تنطقون). وقد بلغ الأمر حدّاً أن يقسم الله على ما لديه من عظمة وقدرة ليُطمئِنَ عباده الشاكّين ضعاف الأنفس الحريصين إنّ ما توعدون في مجال الرزق والثواب والعقاب والقيامة جميعه حقّ ولا ريب في كلّ ذلك...

والتعبير ب (مثل ما أنّكم تنطقون) تعبير لطيف ودقيق إذ يتحدّث عن أكثر الأشياء لمساً، لأنّه قد يخطئ الإنسان في الباصرة أو السمع بأن يتوهّم أنّه سمع أو رأى، إلاّ أنّه لا يمكن أن يتوهّم أنّه قال شيئاً مع أنّه لم يقله...

لذلك فإنّ القرآن يقول: كما أنّ ما تنطقون محسوس عندكم وله واقع، فإنّ الرزق والوعد الإلهي عنده كذلك! ثمّ بعد هذا كلّه فإنّ النطق بنفسه واحد من أكبر الأرزاق والمواهب الإلهيّة التي لم يتمتّع بها أي موجود حيّ سوى الإنسان، وليس بخاف أثر الكلام والنطق في الحياة الاجتماعية وتعليم الناس وتربيتهم وانتقال العلوم وحلّ مشاكل الحياة على أحد.