( يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى ) . .
وجزاء الاستجابة للدعوة إلى عبادة الله وتقواه وطاعة رسوله هي المغفرة والتخليص من الذنوب التي سلفت ؛ وتأخير الحساب إلى الأجل المضروب له في علم الله . وهو اليوم الآخر . وعدم الأخذ في الحياة الدنيا بعذاب الاستئصال [ وسيرد في الحساب الذي قدمه نوح لربه أنه وعدهم أشياء أخرى في أثناء الحياة ] .
ثم بين لهم أن ذلك الأجل المضروب حتمي يجيء في موعده ، ولا يؤخر كما يؤخر عذاب الدنيا . . وذلك لتقرير هذه الحقيقة الاعتقادية الكبرى :
( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ، لو كنتم تعلمون ) . .
كما أن النص يحتمل أن يكون هذا تقريرا لكل أجل يضربه الله ؛ ليقر في قلوبهم هذه الحقيقة بوجه عام .
بمناسبة الحديث عن الوعد بتأخير حسابهم - لو أطاعوا وأنابوا - إلى يوم الحساب .
وقوله سبحانه : { يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ } مجزوم في جواب الأمر واختلف في من فقيل ابتدائية وان لم تصلح هنا لمقارنة إلى وابتداء الفعل من جانبه تعالى على معنى أنه سبحانه يبتدئهم بعد إيمانهم بمغفرة ذنوبهم احساناً منه عز وجل وتفضلاً وجوز أن يكون من جانبهم على معنى أول ما يحصل لهم بسبب إيمانهم مغفرة ذنوبهم وليس بذاك وقيل بيانية ورجوعها إلى معنى الابتدائية استبعده الرضى ويقدر قبلها مبهم يفسر بمدخولها أي يغفر لكم أفعالكم التي هي الذنوب وقيل زائدة على رأي الأخفش المجوز لزيادتها مطلقاً وجزم بذلك هنا وقيل تبعيضية أي يغفر لكم بعض ذنوبكم واختاره بعض واختلف في البعض المغفور فذهب قوم إلى أنه حقوق الله تعالى فقط السابقة على الإيمان وآخرون إلى أنه ما اقترفوه قبل الإيمان مطلقاً الظاهر ما ورد من أن الإيمان يجب ما قبله واستشكل ذلك العز بن عبد السلام في الفوائد المنتشرة وأجاب عنه فقال كيف يصح هذا على رأي سيبويه الذي لا يرى كالأخفش زيادتها في الموجب بل يقول إنها للتبعيض مع أن الإسلام يجب ما قبله بحيث لا يبقى منه شيء والجواب ان إضافة الذنوب إليهم إنما تصدق حقيقة فيما وقع إذ ما لم يقع لا يكون ذنباً لهم وإضافة ما لم يقع على طريق التجوز كما في { واحفظوا أيمانكم } [ المائدة : 89 ] إذا المراد بها الإيمان المستقبلة وإذا كانت الإضافة تارة تكون حقيقة وتارة تكون مجازاً فسيبويه يجمع بين الحقيقة والمجاز فيها وهو جائز يعني عند أصحابه الشافعية ويكون المراد من بعض ذنوبكم البعض الذي وقع انتهى ولا يحتاج إلى حديث الجمع من خص الذنوب المغفورة بحقوق الله عز وجل وههنا بحث وهوان الحمل على التبعيض يا أباه { يغفر لكم ذنوبكم } [ الصف : 12 ] { وإن الله يغفر الذنوب جميعاً } [ الزمر : 53 ] وقد نص البعلي في شرح الجمل على أن ذلك هو الذي دعا الأخفش للجزم بالزيادة هنا وجعله ابن الحاجب حجة له ورده بعض الأجلة بأن الموجبة الجزئية من لوازم الموجبة الكلية ولا تناقض بين اللازم والملزوم ومبناه الغفلة عن كون مدلول من التبعيضية هي البعضية المجردة عن الكلية المنافية لها لا الشاملة لما في ضمنها المجتمعة معها وإلا لما تحقق الفرق بينها وبين من البيانية من جهة الحكم ولما تيسر تمشية الخلاف بين الإمام أبي حنيفة وصاحبيه فيما إذا قال طلقي نفسك من ثلاث ما شئت بناء على أن من للتبعيض عنده وللبيان عندهما قال في الهداية وان قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت فلها ان تطلق نفسها واحدة وثنتين ولا تطلق ثلاثاً عند أبي حنيفة وقالا تطلق ثلاثا ان شاءت لأن كلمة ما محكمة في التعميم وكلمة من قد تستعمل للتمييز فتحمل على تمييز الجنس ولأبي حنيفة إن كلمة من حقيقة في التبعيض وما للتعميم فيعمل بهما انتهى .
ولا خفاء في أن بناء الجواب المذكور على كون من للتبعيض إنما يصح إذا كان مدلولها حينئذ البعضية المجردة المنافية للكلية ومن هنا تعجب من صاحب التوضيح في تقرير الخلاف المذكور حيث استدل على أولوية التبعيض بتيقنه ولم يدر أن البعض المراد قطعاً على تقدير البيان البعض العام الشامل لما في ضمن الكل لا البعض المجرد المراد هنا فبالتعليل على الوجه المذكور لا يتم التقريب بل لا انطباق بين التعليل والمعلل على ما قيل وصوب العلامة التفتازاني حيث قال فيما علقه على التلويح مستدلاً على أن البعضية التي تدل عليها من التبعيضية هي البعضية المجردة المنافية للكيلة لا البعضية التي هي أعم من أن تكون في ضمن الكل أو بدونه لاتفاق النحاة على ذلك حيث احتاجوا إلى التوفيق بين قوله تعالى يغفر لكم من ذنوبكم وقوله تعالى { إن الله يغفر الذنوب جميعاً } [ الزمر : 53 ] فقالوا لا يبعد أن يغفر سبحانه الذنوب لقوم وبعضها لآخرين أو خطاب البعض لقوم نوح عليه السلام وخطاب الكل لهذه الأمة ولم يذهب أحد إلى أن التبعيض لا ينافي الكلية ولم يصوب الشريف في رده عليه قائلاً وفيه بحث إذ الرضي صرح بعدم المنافاة بينهما حيث قال ولو كان أيضاً خطاباً لأمة واحدة فغفران بعض الذنوب لا يناقض غفران كلها بل عدم غفران بعضها يناقض غفران كلها لأن قول الرضى غير مرتضى لما عرفت من أن مدلول التبعيضية البعضية المجردة واعترض قول النحاة أو خطاب البعض لقوم نوح عليه السلام وخطاب الكل لهذه الأمة بأن الأخبار عن مغفرة البعض ورد في مواضع منها قوله تعالى في سروة إبراهيم { يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم } [ الأحقاف : 10 ] ومنها في سورة الأحقاف { يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم } [ الأحقاف : 31 ] ومنها ما هنا وهو الذي ورد في قوم نوح عليه السلام وأما ما ذكر في الأحقاف فقد ورد في الجن وما ورد في إبراهيم فقد ورد في قوم نوح وعاد ، وثمود على ما أفصح به السياق فكيف يصح ما ذكروه وقيل جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين في جميع القرآن تفرقة بين الخطابين ووجه بأن المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفار مرتبة على الإيمان وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك فيتناول الخروج عن المظالم واعترض بأن التفرقة المذكورة إنما تتم لو لم يجيء الخطاب للكفرة على العموم وقد جاء كذلك كما في سورة الأنفال { قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } [ الأنفال : 38 ] وقد أسلفنا ما يتعلق بهذا المقام أيضاً فتذكر وتأمل { وَيُؤَخّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } هو الأمد الأقصى الذي قدره الله تعالى بشرط الإيمان والطاعة وراء ما قدره عز وجل لهم على تقدير بقائهم على الكفر والعصيان فإن وصف الأجل بالمسمى وتعليق تأخيرهم إليه بالإيمان والطاعة صريح في أن لهم أجلاً آخر لا يجاوزونه ان لم يؤمنوا وهو المراد بقوله تعالى : { إِنَّ أَجَلَ الله } أي ما قدره عز وجل لكم على تقدير بقائكم على ما أنتم عليه { إِذَا جَاء } وأنتم على ما أنتم { لاَ يُؤَخَّرُ } فبادروا إلى الإيمان والطاعة قبل مجيئه حتى لا يتحقق شرطه الذي هو بقاؤكم على الكفر والعصيان فلا يجيء ويتحقق شرط التأخير إلى الأجل المسمى فتؤخروا إليه وجوز أن يراد به وقت اتيان العذاب المذكور في قوله سبحانه من { قبل أن يأتيهم عذاب أليم } [ نوح : 1 ] فإنه أجل مؤقت له حتماً وأياً كان لا تناقض بين يؤخركم وان أجل الله إذا جاء لا يؤخركما يتوهم وقال الزمخشري في ذلك ما حاصله إن الأجل أجلان وأجل الله حكمه حكم المعهود والمراد منه الأجل المسمى الذي هو آخر الآجال والجملة عنده تعليل لما فهم من تعليقه سبحانه التأخير بالأجل المسمى وهو عدم تجاوز التأخير عنه والأول هو المعول عليه فإن الظاهر أن الجملة تعليل للأمر بالعبادة المستتبعة للمغفرة والتأخير إلى الأجل المسمى فلا بد أن يكون المنفي عند مجيء الأجل هو التأخير الموعود فكيف يتصور أن يكون ما فرض مجيئه هو الأجل المسمى الذي هو آخر الآجال { لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي لو كنتم من أهل العلم لسارعتم لما أمركم به لكنكم لستم من أهله في شيء فلذا لم تسارعوا فجواب لو مما يتعلق بأول الكلام ويجوز أن يكون مما يتعلق بآخره أي لو كنتم من أهل العلم لعلمتم ذلك أي عدم تأخير الأجل إذا جاء وقته المقدر له والفعل في الوجهين منزل منزلة اللازم ويجوز أن يكون محذوفا لقصد التعميم أي لو كنتم تعلمون شيئاً ورجح الأول بعدم احتياجه للتقدير والجمع بين صيغتي الماضي والمضارع للدلالة على استمرار النفي المفهوم من لو وجعل العلم المنفي هو العلم النظري لا الضروري ولا ما يعمه فإنه مما لا ينفي اللهم إلا على سبيل المبالغة .
فإنهم إذا اتقوا الله غفر ذنوبهم ، وإذا غفر ذنوبهم حصل لهم النجاة من العذاب ، والفوز بالثواب ، { وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } أي : يمتعكم في هذه الدار ، ويدفع عنكم الهلاك إلى أجل مسمى أي : مقدر [ البقاء في الدنيا ] بقضاء الله وقدره [ إلى وقت محدود ] ، وليس المتاع أبدا ، فإن الموت لا بد منه ، ولهذا قال : { إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } لما كفرتم بالله ، وعاندتم الحق ، فلم يجيبوا لدعوته ، ولا انقادوا لأمره
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
فإذا فعلتم {يغفر لكم من ذنوبكم} يقول: يغفر لكم ذنوبكم.
{ويؤخركم إلى أجل مسمى} يعني إلى منتهى آجالكم فلا يعاقبكم بالسنين ولا بغيره. {إن أجل الله} في العذاب في الدنيا وهو الغرق.
{إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون} ولكنكم لا تعلمون.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ": يغفر لكم ذنوبكم... ويصفح لكم، ويعفو لكم عنها. وقد يحتمل أن يكون معناها: يغفر لكم من ذنوبكم ما قد وعدكم العقوبة عليه، فأما ما لم يعدكم العقوبة عليه فقد تقدّم عفوه لكم عنها...
"وَيُؤَخّرْكُمْ إلى أجَل مُسَمّى": ويؤخّر في آجالكم فلا يهلككم بالعذاب، لا بغَرَق ولا غيره.
"إلى أجل مسمى": إلى حين كتب أنه يبقيكم إليه، إن أنتم أطعتموه وعبدتموه، في أمّ الكتاب.
عن مجاهد، في قول الله: إلى أجَل مُسَمّى قال: ما قد خطّ من الأجل، فإذا جاء أجل الله لا يؤخّر.
"إنّ أجَلَ اللّهِ إذَا جاءَ لا يُؤَخّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ": إن أجل الله الذي قد كتبه على خلقه في أمّ الكتاب إذا جاء عنده لا يؤخر عن ميقاته، فينظر بعده.
"لو كنتم تعلمون": لو علمتم أن ذلك كذلك، لأنبتم إلى طاعة ربكم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{يغفر لكم من ذنوبكم} إن صرفت قوله: {واتقوه} إلى اتقاء الشرك يرجع قوله: {يغفر لكم من ذنوبكم} إلى ما سلف من الذنوب في حالة الشرك كقوله عز وجل: {إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38] وإن صرفته على سائر وجوه المهالك رجع إلى السالف وإلى الآنف جميعا، وهو كقوله تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات}. [هود: 114] فيكون...
{ويؤخركم إلى أجل مسمى} فجائز أن يكون أولئك القوم كانوا يخافون على أنفسهم الإهلاك من قومهم بإيمانهم وإجابتهم لنوح عليه السلام فيخرج قوله: {ويؤخركم إلى أجل مسمى} مخرج الأمان لهم: أنهم بإيمانهم يبقون إلى الأجل الذي ضرب لهم، لو لم يؤمنوا؛ إذ يكون معناه: أنكم إن أسلمتم بقيتم إلى انقضاء أجلكم المسمى سالمين آمنين، لا يتهيأ لعدوكم أن يمكروا بكم.
وقوله تعالى: {إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون} كقوله في موضع آخر: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف: 34]. وجائز أن يكون قوله: {لا يستأخرون} أي لا يتأخرون عن آجالهم، أو لا يؤخرون بما يطلبون من التأخير، فيكون في هذا إياس لهم أنهم لا يؤخرون إذا طلبوا التأخير...
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
{إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون} يقول: آمنوا قبل الموت، تسلموا من العذاب، فإن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ولا يمكنكم الإيمان.
ما الفائدة في قوله {لو كنتم تعلمون}؟
الجواب: الغرض الزجر عن حب الدنيا، وعن التهالك عليها والإعراض عن الدين بسبب حبها، يعني أن غلوهم في حب الدنيا وطلب لذاتها بلغ إلى حيث يدل على أنهم شاكون في الموت.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان الإنسان محل النقصان، فلا ينفك عن ذنب فلا ينفعه إلا فناء الكرم، أشار إلى ذلك مرغباً مستعطفاً لهم لئلا ييأسوا فيهلكوا بقوله جواباً للأمر: {يغفر لكم} أي كرماً منه وإحساناً ولطفاً. ولما كان من الذنوب ما لا يتحتم غفرانه وهو ما بعد الإسلام قال: {من ذنوبكم} أي ما تقدم الإيمان من الشرك والعصيان وما تأخر عن الإيمان من الصغائر التي تفضل الله بالوعد بتكفيرها باجتناب الكبائر -هذا مما أوجبه سبحانه على نفسه المقدس بالوعد الذي لا يبدل، وأما غيره مما عدا الشرك فإلى مشيئته سبحانه. ولما كان الإنسان، لما يغلب عليه من النسيان، والاشتغال بالآمال، يعرض عن الموت إعراض الشاك فيه بل المكذب به ذكرهم ترهيباً لهم لطفاً بهم ليستحضروا أنهم في القبضة فينزعوا مما يغضبه سبحانه، فقال مشيراً إلى أن طول العمر في المعصية- وإن كان مع رغد العيش -عدم، مهدداً بأنه قادر على الإهلاك في كل حين: {ويؤخركم} أي تأخيراً ينفعكم، واعلم أن الأمور كلها قد قدرت وفرغ من ضبطها لإحاطة العلم والقدرة فلا يزاد فيها ولا ينقص، ليعلم أن الإرسال إنما هو مظهر لما في الكيان ولا يظن أنه قالب للأعيان بتغيير ما سبق به القضاء من الطاعة أو العصيان فقال: {إلى أجل مسمى} أي قد سماه الله وعلمه قبل إيجادكم فلا يزاد فيه ولا ينقص منه، فيكون موتكم على العادة متفرقاً وإلا أخذكم جميعاً بعذاب الاستئصال، فهذا من علم ما لا يكون لو كان كيف كان يكون، و ذلك أنه علم أنهم إن أطاعوا نوحاً عليه السلام كان موتهم على العادة وإلا هلكوا هلاك نفس واحدة، وعلم أنهم لا يطيعونه، وأن موتهم إنما يكون بعذاب الاستئصال.
ولما كان الإنسان مجبولاً على الأطماع الفارغة، فكان ربما قال للتعنت أو غيره: لم لا يخلدنا؟ قال فطماً عن ذلك مؤكداً لاقتضاء المقام له: {إن أجل الله} أي الذي له الكمال كله فلا راد لأمره {إذا جاء لا يؤخر} وأما قبل مجيئه فربما يقع الدعاء و الطاعات والبر في البركة فيه يمنع الشواغل وإطابة الحياة، فبادروا مجيء الأجل بالإيمان لأنه إذا جاء لم يمكنكم التدارك، ولا ينفعكم بعد العيان الإيمان. ولما كان من يعلم هذا يقيناً، ويعلم أنه إذا كشف له عند الغرغرة أحب أن يؤخر ليتوب حين لا تأخير، أحسن العمل خوفاً من فوات وقته وتحتم مقته، نبه على ذلك بقوله: {لو كنتم تعلمون} أي لو كان العلم أو تجدده وقتاً ما في غرائزكم لعلمتم تنبيه رسولكم صلى الله عليه وسلم أن الله يفعل ما يشاء، وأن الأجل آت لا محالة فعملتم للنجاة، ولكنكم تعملون في الانهماك في الشهوات عمل الشاك في الموت.