السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرۡكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لَا يُؤَخَّرُۚ لَوۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (4)

وقوله : { يغفر لكم } جواب الأمر ، وفي من في قوله : { من ذنوبكم } أوجه أحدها : أنها تبعيضية ، الثاني : أنها لابتداء الغاية ، الثالث : أنها مزيدة . قال ابن عطية : وهو مذهب كوفي ، وردّ بأنّ مذهبهم ليس ذلك لأنهم يشترطون تنكير مجرورها ولا يشترطون غيره ، والأخفش لا يشترط شيئاً ، فالقول بزيادتها هنا ماش على قوله لا على قولهم ، قاله القرطبيّ ، وقيل : لا يصح كونها زائدة لأنّ من لا تزاد في الموجب وإنما هي هنا للتبعيض وهو بعض الذنوب وهو ما لا يتعلق بحقوق المخلوقين .

{ ويؤخركم } أي : بلا عذاب تأخيراً ينفعكم { إلى أجل مسمى } أي : قد سماه الله تعالى وعلمه قبل إيجادكم فلا يزاد فيه ولا ينقص منه فيكون موتكم على العادة أو يأخذكم جميعاً ، فالأمور كلها قد قدرت وفرغ من ضبطها لإحاطة العلم والقدرة فلا يزاد فيها ولا ينقص ليعلم أنّ الإرسال إنما هو مظهر لما قدره في الأزل ، ولا يظن أنه قالب للأعيان بتغيير ما سبق به القضاء من الطاعة والعصيان ، وقرأ : ويوخركم ولا يوخر ورش بإبدال الهمزة واواً وقفاً ووصلاً ، وحمزة في الوقف دون الوصل ، والباقون بالهمز .

{ إنّ أجل الله } أي : الذي له الكمال كله فلا رادّ لأمره { إذا جاء لا يؤخر } أي : إذا جاء الموت لا يؤخر بعذاب كان أو بغير عذاب ، وأضاف الأجل إليه سبحانه لأنه الذي أثبته ، وقد يضاف إلى القوم كقوله تعالى : { إذا جاء أجلهم } [ يونس : 49 ] لأنه مضروب لهم . { لو كنتم تعلمون } أي : لو كنتم من أهل العلم والنظر لعلمتم ذلك ولكنهم لانهماكهم في حبّ الدنيا كأنهم شاكّون في الموت .