اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرۡكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لَا يُؤَخَّرُۚ لَوۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (4)

{ يَغْفِرْ لَكُم } جزم «يَغْفِرْ » لجواب الأمر .

قوله : { مِّن ذُنُوبِكُمْ } . في «مِنْ » هذه أوجه :

أحدها : أنَّها تبعيضية .

الثاني : أنَّها لابتداء الغايةِ .

الثالث : أنَّها لبيان الجنسِ ، وهو مردود لعدم تقدم ما تبينُه .

الرابع : أنَّها مزيدةٌ . قال ابن عطية : وهو مذهب كوفيٌّ .

قال شهاب الدين{[57980]} : ليس مذهبهم ذلك ؛ لأنهم يشترطون تنكير مجرورها ، ولا يشترطون غيره . والأخفش لا يشترط شيئاً ، فزيادتُها هنا ماشٍ على قوله لا على قولهم .

قال القرطبي{[57981]} : وقيل : لا يصح كونها زائدة ؛ لأن «مِنْ » لا تزاد في الواجب ، وإنما هي هنا للتبعيض ، وهو بعض الذنوب ، وهو ما لا يتعلق بحقوق المخلوقين .

وقال زيد بن أسلم : المعنى يُخرِجُكم من ذنوبكم{[57982]} .

وقال ابن شجرة : المعنى يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها .

قوله : { وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ } .

قال الزمخشريُّ : فإن قلت : كيف قال : «يُؤخِّركُمْ » مع إخبارهِ بامتناع تأخيره ؟ .

قلتُ : قضى الله أنَّ قوم نوحٍ إن آمنوا عمَّرهُم ألف سنةٍ ، وإن بقُوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة ، قيل لهم : إن آمنتم أخِّرتُم إلى الأجلِ الأطولِ ، ثم أخبرهُم أنه إذا جاء ذلك الأجل الأمد لا يؤخَّرُ انتهى .

وقد تعلَّق بهذه الآية من يقول بالأجلين وتقدم جوابه .

وقال ابن عباسٍ : أي : ينسئ في أعماركم{[57983]} ، ومعناه : أنَّ الله - تعالى - كان قضى قبل خلقهم ، إنْ هم آمنوا بارك في أعمارهم وإن لم يؤمنوا عوجلوا بالعذاب .

وقال مقاتل : يؤخركم إلى منتهى أعماركم في عافية فلا يعاقبكم بالقحطِ وغيره ، فالمعنى على هذا : يؤخركم من العقوبات والشدائد إلى آجالكم{[57984]} .

وقال الزجاج : «أي يؤخركم عن العذاب ، فتموتوا غير موتة المستأصلين بالعذاب » .

وعلى هذا قيل : أجل مسمى عندكم تعرفونه لا يميتكم غَرْقاً ولا حَرْقاً ولا قَتْلاً ، ذكره الفراء . وعلى القول الأول أجل مسمى عند الله .

قوله : { إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ } ، أي : إذا جاء الموتُ لا يؤخَّر بعذاب كان ، أو بغير عذاب ، وأضاف الأجلَ إليه سبحانه ؛ لأنه الذي أثبته ، وقد يضاف إلى القوم كقوله تعالى : { إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ }[ يونس : 49 ] ؛ لأنه مضروبٌ لهم ، و «لَوْ » بمعنى «إنْ » أي : إن كنتم تعلمون .

وقال الحسن : معناه : لو كنتم تعلمون لعلمتم أن أجل الله إذا جاء لا يُؤخَّرُ{[57985]} .

وعلى هذا يكون جوابُ «لَوْ » محذوفاً تقديره : لبادرتم إلى ما أمركم به أو لعلمتم كما قال الحسن .


[57980]:ينظر الدر المصون 6/382.
[57981]:ينظر الجامع لأحكام القرآن 18/194.
[57982]:ينظر تفسير الماوردي (6/98) والقرطبي (18/193).
[57983]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/194).
[57984]:ينظر تفسير القرطبي (18/194).
[57985]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/247) عن مجاهد بمعناه. وذكره القرطبي في "تفسيره" (18/194) عن الحسن.