التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرۡكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لَا يُؤَخَّرُۚ لَوۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (4)

ثم بين لهم ما يترتب على إخلاص عبادتهم لله ، وخشيتهم منه - سبحانه - وطاعتهم لنبيهم فقال : { يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } .

وقوله : { يَغْفِرْ } مجزوم فى جواب الأوامر الثلاثة ، و { من } للتبعيض أى : يغفر لكم بعض ذنوبكم ، وهى تلك التى اقترفوها قبل إيمانهم وطاعتهم لنبيهم ، أو الذنوب التى تتعلق بحقوق الله - تعالى - دون حقوق العباد .

ويرى بعضهم أن " من " هنا زائدة لتوكيد هذه المغفرة . أى : يغفر لكم جميع ذنوبكم التى فرطت منكم ، متى آمنتم واتقيتم ربكم ، وأطعتم نبيكم .

{ وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } أى : ويؤخر آجالكم إلى وقت معين عنده - سبحانه - ويبارك لكم فيها ، بأن يجعلها عامرة بالعمل الصالح ، وبالحياة الآمنة الطيبة .

فأنت ترى أن نوحا - عليه السلام - قد وعدهم بالخير الأخروى وهو مغفرة الذنوب يوم القيامة ، وبالخير الدنيوى وهو البركة فى أعمارهم ، وطول البقاء فى هناء وسلام .

قال ابن كثير : { وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } أى : ويمد فى أعماركم ، ويدرأ عنكم العذاب ، الذى إذا لم تنزجروا عما أنهاكم عنه : أوقعه - سبحانه - بكم .

وقد يستدل بهذه الآية من يقول : إن الطاعة والبر وصلة الرحم . يزاد بها فى العمر حقيقة ، كما ورد به الحديث : " صلة الرحم تزيد فى العمر " .

وقوله : { إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } بمنزلة التعليل لما قبله . أى : يغفر لكم - سبحانه - من ذنوبكم ، ويؤخركم إلى أجل معين عنده - تعالى - إن الوقت الذى حدده الله - عز وجل - لانتهاء أعماركم ، متى حضر ، لا يؤخر عن موعده ، { لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } . أى : لو كنتم من أهل العلم لسارعتم لما آمركم به . لكنكم لستم من أهله فى شئ ، لذا لم تسارعوا ، فجواب لو مما يتعلق بأول الكلام .

ويجوز أن يكون مما يتعلق بآخره . أى : لو كنتم من أهل العلم لعلمتم ذلك ، أى : عدم تأخير الأجل إذا جاء وقته المقدر له . والفعل فى الوجهين منزل منزلة اللازم .