البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَغۡفِرۡ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرۡكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لَا يُؤَخَّرُۚ لَوۡ كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (4)

{ من ذنوبكم } : من للتبعيض ، لأن الإيمان إنما يجب ما قبله من الذنوب لا ما بعده .

وقيل : لابتداء الغاية .

وقيل : زائدة ، وهو مذهب ، قال ابن عطية : كوفي ، وأقول : أخفشي لا كوفي ، لأنهم يشترطون أن تكون بعد من نكرة ، ولا يبالون بما قبلها من واجب أو غيره ، والأخفش يجيز مع الواجب وغيره .

وقيل : النكرة والمعرفة .

وقيل : لبيان الجنس ، ورد بأنه ليس قبلها ما تبينه .

قال الزمخشري : فإن قلت : كيف قال : { ويؤخركم } مع إخباره بامتناع تأخير الأجل ؟ وهل هذا إلا تنافض ؟ قلت : قضى الله مثلاً أن قوم نوح إن آمنوا عمرهم ألف سنة ، وإن بقوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة سنة ، فقيل لهم : آمنوا يؤخركم إلى أجل مسمى : أي إلى وقت سماه الله تعالى وضربه أمداً تنتهون إليه لا تتجاوزونه ، وهو الوقت الأطول تمام الألف .

ثم أخبر أنه إذا جاء ذلك الأجل الأمد ، لا يؤخر كما يؤخر هذا الوقت ، ولم تكن لكم حيلة ، فبادروا في أوقات الإمهال والتأخير . انتهى .

وقال ابن عطية : { ويؤخركم إلى أجل مسمى } مما تعلقت المعتزلة به في قولهم أن للإنسان أجلين ، قالوا : لو كان واحداً محدداً لما صح التأخير ، إن كان الحد قد بلغ ، ولا المعاجلة إن كان لم يبلغ ، قال : وليس لهم في الآية تعلق ، لأن المعنى : أن نوحاً عليه الصلاة والسلام لم يعلم هل هم ممن يؤخر أو ممن يعاجل ، ولا قال لهم إنكم تؤخرون عن أجل قد حان لكم ، لكن قد سبق في الأزل أنهم ، إما ممن قضى له بالإيمان والتأخير ، وإما ممن قضى له بالكفر والمعاجلة .

ثم تشدد هذا المعنى ولاح بقوله : { إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر } ، وجواب لو محذوف تقديره : لو كنتم تعلمون ، لبادرتم إلى عبادته وتقواه وطاعتي فيما جئتكم به منه تعالى .

ولما لم يجيبوه وآذوه ، شكا إلى ربه شكوى من يعلم أن الله تعالى عالم بحالة مع قومه لما أمر بالإنذار فلم يجد فيهم .