في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

9

فأما يوم الأحزاب فيمضي النص في تصويرهم صورة مضحكة زرية :

( يحسبون الأحزاب لم يذهبوا ) . .

فهم ما يزالون يرتعشون ، ويتخاذلون ، ويخذلون ! ويأبون أن يصدقوا أن الأحزاب قد ذهبت ، وأنه قد ذهب الخوف ، وجاء الأمان !

( وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ) . .

يا للسخرية ! ويا للتصوير الزري ! ويا للصورة المضحكة ! وإن يأت الأحزاب يود هؤلاء الجبناء لو أنهم لم يكونوا من أهل المدينة يوما من الأيام . ويتمنون أن لو كانوا من أعراب البادية ، لا يشاركون أهل المدينة في حياة ولا في مصير . ولا يعلمون - حتى - ما يجري عند أهلها . إنما هم يجهلونه ، ويسألون عنه سؤال الغريب عن الغريب ! مبالغة في البعد والانفصال ، والنجاة من الأهوال !

يتمنون هذه الأمنيات المضحكة ، مع أنهم قاعدون ، بعيدون عن المعركة ، لا يتعرضون لها مباشرة ؛ إنما هو الخوف من بعيد ! والفزع والهلع من بعيد ! ( ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا ) . .

وبهذا الخط ينتهي رسم الصورة . صورة ذلك النموذج الذي كان عائشا في الجماعة الإسلامية الناشئة في المدينة ؛ والذي ما يزال يتكرر في كل جيل وكل قبيل . بنفس الملامح ، وذات السمات . . ينتهي رسم الصورة وقد تركت في النفوس الاحتقار لهذا النموذج ، والسخرية منه ، والابتعاد عنه ، وهو انه على الله وعلى الناس .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

قوله تعالى : { يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأحْزَابَ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً }

هؤلاء المنافقون والذين في قلوبهم مرض – لفرط جبنهم – أن الأحزاب ، وهم قريش وغطفان وغيرهم من الكافرين { لَمْ يَذْهَبُوا } أي لم ينصرفوا ، وكانوا قد انصرفوا .

قوله : { وَإِنْ يَأْتِ الأحْزَابَ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ } أي إن يأتِ المشركون لقتال المسلمين فإن المنافقين يتمنون { لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ } { بَادُونَ } أي خارجون في البادية{[3714]} . بدا فلان يبدو إذا صار في البدو فهو باد .

وأما الأعراب فهم جمع أعرابي . وأما العرب فهم جمع عربي . وإنما قيل أعراب لأهل البدو فرقا بين أهل البوادي والأمصار . فالأعراب أهل البادية والعرب أهل المصر .

قوله : { يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ } هؤلاء المنافقون الجبناء يستخبرون الناس عن أخباركم وعما جرى لكم وهم في البادية ، فيتحدثون : هل هلك محمد وأصحابه . فهم يتمنون سماع الأخبار بهلاككم وهم بعيدو عنكم .

قوله : { وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً } أي لو كانوا هؤلاء المنافقون فيكم وخلال صفكم ما نفعوكم بشيء وما قاتلوا المشركين إلا تعذيرا كأنْ يرموا بالحجارة أو النبل على سبيل الرياء .


[3714]:مختار الصحاح ص 44