في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مِيثَٰقَهُمۡ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٖ وَإِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۖ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (7)

وبمناسبة ما سطر في كتاب الله ، وما سبقت به مشيئته ، ليكون هو الناموس الباقي ، والمنهج المطرد ، يشير إلى ميثاق الله مع النبيين عامة ، والنبي [ صلى الله عليه وسلم ] وأولي العزم من الرسل خاصة ، في حمل أمانة هذا المنهج ، والاستقامة عليه ، وتبليغه للناس ، والقيام عليه في الأمم التي أرسلوا إليها ؛ وذلك حتى يكون الناس مسؤولين عن هداهم وضلالهم وإيمانهم وكفرهم ، بعد انقطاع الحجة بتبليغ الرسل عليهم صلوات الله وسلامه :

( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ، ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ؛ وأخذنا منهم ميثاقا غليظا . ليسأل الصادقين عن صدقهم ، وأعد للكافرين عذابا أليما ) . .

إنه ميثاق واحد مطرد من لدن نوح - عليه السلام - إلى خاتم النبيين محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ميثاق واحد ، ومنهج واحد ، وأمانة واحدة يتسلمها كل منهم حتى يسلمها .

وقد عمم النص أولا : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ) . . ثم خصص صاحب القرآن الكريم وصاحب الدعوة العامة إلى العالمين : ( ومنك ) . . ثم عاد إلى أولي العزم من الرسل ، وهم أصحاب أكبر الرسالات -

وبعد بيان أصحاب الميثاق عاد إلى وصف الميثاق نفسه : ( وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ) . . ووصف الميثاق بأنه غليظ منظور فيه إلى الأصل اللغوي للفظ ميثاق - وهو الحبل المفتول - الذي استعير للعهد والرابطة . وفيه من جانب آخر تجسيم للمعنوي يزيد إيحاءه للمشاعر . . وإنه لميثاق غليظ متين ذلك الميثاق بين الله والمختارين من عباده ، ليتلقوا وحيه ، ويبلغوا عنه ، ويقوموا على منهجه في أمانة واستقامة .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مِيثَٰقَهُمۡ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٖ وَإِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۖ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (7)

قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ( 7 ) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا }

الميثاق : معناه العهد والوصية{[3697]} فقد كان مسطورا في كتاب الله أخْذُه من النبيين عهدهم على إقامة الدين وإبلاغ رسالته للناس ، وأن يتعاونوا ويتناصروا فيما بينهم ، وأن يصدق بعضهم بعضا . وذلك إخبار من الله عن العهد الذي أخذه على أولي العزم من الرسل وبقية النبيين المرسلين ، وقد نصّ من بينهم على الخمسة أولي العزم من باب العطف الخاص على العام .

قوله : { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } الميثاق ههنا تأكيد للميثاق الأول . والميثاق العهد ، وقيل : اليمين . فقد أخذ الله على النبيين عهدا وثيقا على الوفاء بما التزموه من تبليغ الرسالة وأن يصدق بعضهم بعضا .


[3697]:المصباح المنير ج 2 ص 86.