السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مِيثَٰقَهُمۡ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٖ وَإِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۖ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (7)

{ وإذ } أي : واذكر حين { أخذنا } بعظمتنا { من النبيين ميثاقهم } أي : عهودهم في تبليغ الرسالة والدعاء إلى الدين القيم في المنشط والمكره وفي تصديق بعضهم لبعض وفي اتباعك فيما أخبرنا به في قولنا : { لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتُؤمننّ به ولتنصرنّه } ( آل عمران : 81 ) وقولهم أقررنا .

ولما ذكر ما أخذ على جميع الأنبياء من العهد في إبلاغ ما يوحى إليهم والعمل بمقتضاه ذكر ما أخذ عليهم من العهد في التبليغ بقوله تعالى : { ومنك } أي : في قولنا في هذه السورة { اتق الله واتبع ما يوحى إليك } ( الأحزاب : 1 2 ) وفي المائدة : 67 { يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس } ( المائدة ، 67 ) فلا تهتم بمراعاة عدو ولا خليل حقير ولا جليل .

ولما أتم المراد إجمالاً وعموماً وخصه صلى الله عليه وسلم من ذلك العموم مبتدئاً به لقوله صلى الله عليه وسلم : «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث » بياناً بتشريفه ، ولأنه المقصود بالذات أتبعه بقية أولي العزم الذين هم أصحاب الكتب ومشاهير أرباب الشرائع ورتبهم على ترتيبهم في الزمان ؛ لأنه لم يقصد المفاضلة بينهم بالتأسية بالمتقدمين والمتأخرين قال { ومن نوح } أول الرسل إلى المخالفين { وإبراهيم } أبي الأنبياء { وموسى } أول أصحاب الكتب من بني إسرائيل { وعيسى بن مريم } ختام أنبياء بني إسرائيل ، ونسبه إلى أمه مناداة على من ضل فيه بدعوى الألوهية وبالتوبيخ والتسجيل بالفضيحة .

تنبيه : ذكر هذه الخمسة من عطف الخاص على العام كما علم مما تقرر ، وقوله تعالى : { وأخذنا } أي : بعظمتنا في ذلك { منهم ميثاقاً غليظاً } أي : شديداً بالوفاء بما حملوه وهو الميثاق الأول ، وإنما كرر لزيادة وصفه بالغلظ وهو استعارة من وصف الأجرام ، والمراد : عظم الميثاق وجلالة شأنه في بابه ، وقيل : الميثاق الغليظ اليمين بالله على الوفاء بما حملوه ثم أخذ الميثاق .