فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مِيثَٰقَهُمۡ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٖ وَإِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۖ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (7)

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ } كأنه قال : يا أيها النبي اتق الله واذكر أن الله أخذ ميثاق الأنبياء أو التقدير كان هذا الحكم مكتوبا في الكتاب ووقت أخذنا ، قاله السمين ، قال قتادة أخذ الله الميثاق على النبيين خصوصا على أن يصدق بعضهم بعضا ويتبع بعضهم بعضا ، أن ينصحوا لقومهم وأن يعبدوا الله ويدعوا الناس إلى عبادته ، وإلى الدين القيم ، وأن يبلغوا رسالات ربهم ، وذلك حين أخرجوا من صلب آدم كالذر – وهو جمع ذرة – وهي أصغر النمل وهي صغيرة جدا ، بحيث إن نحو الأربعين منها أصغر من جناح بعوضة – والميثاق هو اليمين ، وقيل هو الإقرار بالله والوصية والأمر ، والأول أولى ، وقد سبق تحقيقه ، ثم خصص سبحانه بعض النبيين بالذكر بعد التعميم الشامل لهم لغيرهم فقال :

{ وَمِنكَ } خصوصا { وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } ووجه تخصيصهم بالذكر الإعلام بأن لهم مزيد شرف وفضل لكونهم أصحاب الشرائع المشهورة ، والكتب المذكورة ، ومن أولي العزم من الرسل وتقديم ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم مع تأخر زمانه فيه من التشريف له والتعظيم ما لا يخفى ، وتقديم نوح في آية : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ، لأنها سقيت لوصف ما بعث به نوح من العهد القديم ، وما بعث به نبينا صلى الله عليه وسلم من العهد الحديث وما بعث به من توسطهما من الأنبياء المشاهير ، فكان تقديم نوح فيها أشد مناسبة للمقصود من بيان أصالة الدين وقدمه ، وقاله الكرخي . ثم أكد ما أخذه على النبيين من الميثاق بتكرير ذكره ووصفه بالغلظ فقال :

{ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا } أي عهدا شديد على الوفاء بما حملوا أو ما أخذه الله عليهم من عبادته والدعاء إليها ، ويجوز أن يكون قد أخذ الله عليهم الميثاق مرتين : فأخذه عليهم في المرة الأولى مجرد الميثاق بدون تغليظ ولا تشديد ، ثم أخذه عليهم ثانية مغلظا شديدا ، ومثل هذه الآية قوله : { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه }

أخرج الطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي مريم الغساني أن أعرابيا قال : يا رسول الله أي شيء كان أول نبوتك قال : أخذ الله مني الميثاق كما أخذ من النبيين ميثاقهم ، ثم تلا هذه الآية إلى قوله : ميثاقا غليظا ، ودعوة إبراهيم قال : وابعث فيهم رسولا منهم ، وبشرى عيسى ابن مريم ، ورأت أم رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامها أنه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام .

وعن ابن عباس قال : قيل يا رسول الله متى أخذ ميثاقك ؟ قال وآدم بين الروح والجسد ، وعنه قال : قيل يا رسول الله متى كنت نبيا ؟ قال : وآدم بين الروح والجسد ، أخرجه البزار والطبراني ، وفي الباب أحاديث قد صحح بعضها . وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الآية : كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث ، فبدأ بي قبلهم . أخرجه ابن عساكر ، وابن مردويه ، وأبو نعيم . وعن ابن عباس قال ميثاقهم عهدهم ، وعنه قال إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم .