اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مِيثَٰقَهُمۡ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٖ وَإِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۖ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (7)

قوله : { وإذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين ميثاقهم } الآية وجه تعلق{[43136]} هذه الآية بما قبلها هو أن الله تعالى لما أمر النبي عليه السلام بالاتقاء وقال : { يا أيها النبي اتق الله } وأكده بالحكاية التي خشي ( فيها ){[43137]} منهم ، خفّف عنه لكي لا يخشى أَحداً غيره وبين أنه لم يرتكب{[43138]} أمراً يوجب الخشية بقوله : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } وأكده بوجه آخر فقال : «وإذْ أَخَذْنَا » كأنه قال : اتق الله ولا تخف أحداً واذكر أن الله ( أخذ ميثاق ){[43139]} النبيين في أنهم مبلغون رسالات الله ولا يمنعهم من ذلك خوف ولا طمع والمراد من الميثاق العهد الذي بينه في إرسالهم وأمرهم بالتبليغ وأن يصدق بعضهم بعضاً قال مقاتل : أخذنا ميثاقهم{[43140]} على أن يدعوا الناس إلى عبادته ، ويصدق بعضهم بعضاً وينصحوا لقومهم .

قوله : «وإذْ » يجوز فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوباً «باذكر » أي اذْكُرْ إِذْ أَخَذْنَا{[43141]} .

والثاني : أن يكون معطوفاً على مَحَلِّ : «في الكتاب » فيعمل فيه «مَسْطُوراً » أي كان مسطوراً في الكتاب ( و{[43142]} ) وقت أَخْذِنَا .

قوله{[43143]} : { وَمِنْكَ وَمِن نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ ومُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } خص هؤلاء الخمسةَ بالذكر لأنهم أصحاب الكتب والشرائع وأولو العزم من الرُّسُلِ ، وقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه أولهم في كتاب الله ، «كما قال صلى الله عليه وسلم : كُنْتُ أَوَّلَ النبيّين في الخَلْقِ ، وآخِرَهم في البَعْثِ »{[43144]} قال قتادة وذلك قول الله عز وجل : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيّين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن{[43145]} نُوحٍ } فبدأ به {[43146]}- صلى الله عليه وسلم - قال ابن الخطيب{[43147]} : وخص بالذكر أربعة من الأنبياء وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، لأن موسى وعيسى كان لهما في زمان نبينا قوم وأمة فذكرهما احتجاجاً على قومهما{[43148]} ، وإبراهيم ( عليه الصلاة{[43149]} والسلام ) يقولون بفضله ( وكانوا{[43150]} يتبعونه في الشعائر ، ونوحاً لأنه كان أصلاً ثانياً للناس حيث وجد الخلق منه بعد الطوفان ) ، وعلى هذا لو قال قائل : فآدم كان أولى بالذكر من نوح فنقول{[43151]} : خلق آدم كان للعمارة ونبوته كانت مثل الأبوّة للأولاد ولهذا لم يكن في زمانه إهلاك قوم ولا تعذيب ، وأما نوحٌ فكان مخلوقاً للنبوة وأرسل للإنزال ولما كذّبوه أهلك قومه وأغرقوا ، وأما ذكر عيسى بقوله : عيسى ابن مريم والمسيح ابن مريم ؛ فهو إشارة إلى أنه لا أب له ، إذ لو كان لوقع التعريفُ به{[43152]} .

قوله : «مِيثَاقاً غَلِيظاً » هو الأول ، وإنما كرر لزيادة صفته وإيذانا بتوكيده{[43153]} ، قال المفسرون : عهداً شديداً على{[43154]} الوفاء بما حملوا .

قوله : «ليسألَ » فيها وجهان :

أحدهما : أنها لام كي أي أخذنا ميثاقهم ليسأل المؤمنين عن صدقهم والكافرين عن تكذيبهم فاستغنى عن الثاني بذكر مُسَبَّبِهِ وهو قوله : «وأَعَدَّ » . ومفعول صدقهم محذوف أي صِدْقِهِمْ عَهْدَهُمْ ، ويجوز أن يكون «صِدْقِهِم » في معنى تصديقهم ومفعوله محذوف أيضاً أي عن تصديقهم الأنْبِيَاءَ{[43155]} .


[43136]:كذا قرره الإمام الفخر الرازي في تفسيره 25/196.
[43137]:في "ب" فيه وهو خطأ لأن الضمير يعود على الحكاية.
[43138]:هكذا هي أيضاً في تفسير الفخر، وما في "ب" لم يترك.
[43139]:في "ب" واذكر إذ أخذنا.
[43140]:كذا قرره الإمام أبو الفرج ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير 6/354.
[43141]:هذا قول أبي البقاء في التبيان 1052.
[43142]:ساقط من "ب".
[43143]:وهذا رأي الحوفي وابن عطية انظر: البحر المحيط 7/212.
[43144]:انظر: تفسير القرطبي 14/127.
[43145]:زاد المسير 6/354.
[43146]:في "ب" فبدأ بالنبِيّ.
[43147]:انظر تفسيره ص 197 ج 25.
[43148]:هكذا هي هنا وفي تفسيره وما في "ب": قومهم بالجمع.
[43149]:زيادة من "ب".
[43150]:ما بين القوسين ساقط من "ب".
[43151]:في "ب" نقول بدون فاء.
[43152]:ذكره الرازي في تفسيره 25/197.
[43153]:قرره السمين في الدر 4/366.
[43154]:قاله القرطبي في تفسيره 14/127.
[43155]:ذكره أبو حيان في بحره 7/213 وكذا السمين 4/366 ولقد رجح أبو حيان أن تكون اللام للصيرورة وهذا هو الوجه الثاني فيها فقال: "يحتمل أن تكون لام الصيرورة أي أخذ الميثاق على الأنبياء ليصير الأمر إلى كذا" البحر 7/213، وانظر: الكشاف أيضاً 3/252.