البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مِيثَٰقَهُمۡ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٖ وَإِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۖ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (7)

أتبعه بقوله : { وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم } : أي في تبليغ الشرائع والدعاء إلى الله ، فلست بدعاً في تبليغك عن الله .

والعامل في إذ ، قاله الحوفي وابن عطية ، يجوز أن يكون مسطوراً ، أي مسطوراً في أم الكتاب ، وحين أخذنا .

وقيل : العامل : واذكر حين أخذنا ، وهذا الميثاق هو في تبليغ رسالات الله والدعاء إلى الإيمان ، ولا يمنعهم من ذلك مانع ، لا من خوف ولا طمع .

قال الكلبي : أخذ ميثاقهم بالتبليغ .

وقال قتادة : بتصديق بعضهم بعضاً ، والإعلان بأن محمداً رسول الله ، وإعلان رسول الله أن لا نبي بعده .

وقال الزجاج وغيره : الذي أخذ عليهم وقت استخراج البشر من صلب آدم كالذر ، قالوا : فأخذ الله حينئذ ميثاق النبيين بالتبليغ وتصديق بعضهم بعضاً ، وبجميع ما تضمنته النبوة .

وروي نحوه عن أبيّ بن كعب ، وخص هؤلاء الخمسة بالذكر بعد دخولهم في جملة النبيين .

وقيل : هم أولو العزم لشرفهم وفضلهم على غيرهم .

وقدم محمد صلى الله عليه وسلم ، لكونه أفضل منهم ، وأكثرهم أتباعاً .

وقدم نوح في آية الشورى في قوله : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً } الآية ، لأن إيراده على خلاف الإيراد ، فهناك أورده على طريق وصف دين الإسلام بالأصالة ، فكأنه قال : شرع لكم الدين الأصيل الذي بعث عليه نوح في العهد القديم ، وبعث عليه محمد خاتم الأنبياء في العهد الحديث ، وبعث عليه من توسط بينهما من الأنبياء المشاهير .

والميثاق الثاني هو الأول ، وكرر لأجل صفته .

والغلظ : من صفة الأجسام ، واستعير للمعنى مبالغاً في حرمته وعظمته وثقل فرط تحمله .

وقيل : الميثاق الغليظ : اليمين بالله على الوفاء بما حمله .