في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۭ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ} (54)

وأهل الجنتين ما حالهم ? إننا ننظرهم : ( متكئين على فرش بطائنها من إستبرق )والإستبرق المخمل الحرير السميك . فكيف بظهائر هذه الفرش إذا كانت تلك بطائنها ?

( وجنى الجنتين دان ) . . قريب التناول ، لا يتعب في قطاف .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۭ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ} (54)

وقرأ جمهور الناس : «فرُش » بضم الراء . وقرأ أبو حيوة : «فرْش » بسكون الراء ، وروي في الحديث أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه البطائن { من استبرق } فكيف الظواهر ؟ قال : «هي من نور يتلألأ »{[10844]} .

والإستبرق ما خشن وحسن من الديباج . والسندس : ما رق منه . وقد تقدم القول في لفظة الإستبرق . وقرأ ابن محيصن «من استبرق » على أنه فعل والألف وصل{[10844]} .


[10844]:قال أبو الفتح في المحتسب:"هذه صورة الفعل البتة، بمنزلة استخرج، وكأنه سمي بالفعل وفيه ضمير الفاعل، فحُكي كأنه جملة، وهذا باب إنما طريقه في الأعلام كتأبط شرا وشاب قرناها، وليس الاستبراق علما يُسمى بالجملة".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۭ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ} (54)

حال من { لمن خاف مقام ربه } وجيء بالحال صيغةَ جمع باعتبار معنى صاحب الحال وصلاحية لفظه للواحد والمتعدد ، لا باعتبار وقوع صلته بصيغة الإِفراد فإن ذلك اعتبار بكون ( مَن ) مفردة اللفظ .

والمعنى : أُعطوا الجنان واستقرُّوا بها واتكأوا على فرش .

والاتكاء : افتعال من الوَكْءِ مهموز اللام وهو الاعتماد ، فصار الاتكاء اسماً لاعتمادِ الجالس ومرفقه إلى الأرض وجنبه إلى الأرض وهي هيئة بين الاضطجاع على الجنب والقعودِ ، وتقدم في قوله : { وأعتدت لهن متكئاً } في سورة يوسف ( 31 ) ، وتقدم أيضاً في سورة الصافات .

وفُرش : جمع فراش ككتاب وكُتب . والفِراش أصله ما يفرش ، أي يبسط على الأرض للنوم والاضطجاع .

ثم أطلق الفراش على السرير المرتفع على الأرض بسُوققٍ لأنه يوضع عليه ما شأنه أن يفرش على الأرض تسمية باسم ما جعل فيه ، ولذلك ورد ذكره في سورة الواقعة ( 15 ، 16 ) في قوله : { على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين } وفي سورة الصافات ( 44 ) على سرر متقابلين .

والمعبر عنه في هذه الآيات واحد يدلّ على أن المراد بالفرش في هذه الآية السرر التي عليها الفرش .

والاتكاء : جِلسة أهل الترف المخدومين لأنها جلسة راحة وعدم احتياج إلى النهوض للتناول نحوه وتقدم في سورة الكهف .

والبطائن : جمع بِطانة بكسر الباء وهي مشتقة من البطن ضد الظهر من كل شيء ، وهو هنا مجاز عن الأسفل . يقال للجهة السفلى : بطن ، وللجهة العليا ظهر ، فيقال : بَطَّنْت ثوبي بآخر إذا جعل تحت ثوبه آخرَ ، فبطانة الثوب داخله وما لا يَبدو منه ، وضد البطانة الظِّهارة بكسر الظاء ، ومن كلامهم : أفرشني ظهر أمره وبطنه ، أي علانيته وسِرّه ، شبهت العلانية بظهر الفراش والسِرّ ببطن الفراش وهما الظِهارة والبطانة ، ولذلك أتبع هذا التشبيه باستعارة فعل : أفرشني . فالبطانة : هي الثوب الذي يجعل على الفراش والظهارة : الثوب الذي يجعل فوق البطانة ليظهر لرؤية الداخل للبيت فتكون الظهارة أحسن من البطانة في الفراش الواحد .

والعرب كانوا يجعلون الفراش حَشية ، أي شيئاً محشواً بصوف أو قطن أو ليف ليكون أوثر للجنب ، قال عنترة يصف تنعم عَبلة :

تُمسي وتُصبح فوق ظهر حشِيّةٍ *** وأَبِيتُ فوقَ سَراة أدهم مُلجم

فإذا وضعوا على الحشية ثوباً أو خاطوها بثوب فهو البطانة ، وإذا غطوا ذلك بثوب أحسن منه فهو الظِهارة .

فالمعنى هنا : أن بطائن فرش الجنة من استبرق فلا تَسأل عن ظهائرها فإنها أجود من ذلك ، ولا ثوب في الثياب المعروفة عند الناس في الدنيا أنفس من الاستبرق البطائن بالذكر كناية عن نفاسة وصف ظهائر الفرش .

والاستبرق : صنف رفيع من الديباج الغليظ . والديباجُ : نسيج غليظ من حرير والاستبرق ينسج بخيوط الذهب . قال الفخر : وهو معرب عن الفارسية عن كلمة ( سْتبرك ) بكاف في آخره علامة تصغير ( ستبر ) بمعنى ثخين ، وقد تقدم في سورة الكهف ( 31 ) ، فأبدلوا الكاف قافاً خشية اشتباه الكاف بكاف الخطاب ، والذي في القاموس } : الإِستبرق : الديباج الغليظ معرب ( اسْتَرْوَه ) ، وقد تبين أن الإِستبرق : صنف من الديباج ، والديباج : ثوب منسوج من الحرير منقوش وهو أجود أنواع الثياب .

ومن { جنى الجنتين } : ما يجنى من ثمارهما ، وهو بفتح الجيم ما يقطف من الثمر . والمعنى : أن ثمر الجنة داننٍ منهم وهم على فرشهم فمتى شاءوا اقتطفوا منه .