في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا} (93)

73

أو أن يكون له بيت من المعادن الثمينة . أو أن يرقى في السماء . ولا يكفي أن يعرج إليها وهم ينظرونه ، بل لا بد أن يعود إليهم ومعه كتاب محبر يقرأونه !

وتبدو طفولة الإدراك والتصور ، كما يبدو التعنت في هذه المقترحات الساذجة . وهم يسوون بين البيت المزخرف والعروج إلى السماء ! أو بين تفجير الينبوع من الأرض ومجيء الله - سبحانه - والملائكة قبيلا ! والذي يجمع في تصورهم بين هذه المقترحات كلها هو أنها خوارق . فإذا جاءهم بها نظروا في الإيمان له والتصديق به !

وغفلوا عن الخارقة الباقية في القرآن ، وهم يعجزون عن الإتيان بمثله في نظمه ومعناه ومنهجه ، ولكنهم لا يلمسون هذا الإعجاز بحواسهم فيطلبون ما تدركه الحواس !

والخارقة ليست من صنع الرسول ، ولا هي من شأنه ، إنما هي من أمر الله سبحانه وفق تقديره وحكمته . وليس من شأن الرسول أن يطلبها إذا لم يعطه الله إياها . فأدب الرسالة وإدراك حكمة الله في تدبيره يمنعان

الرسول أن يقترح على ربه ما لم يصرح له به . . )قل : سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا )يقف عند حدود بشريته ، ويعمل وفق تكاليف رسالته ، لا يقترح على الله ولا يتزيد فيما كلفه إياه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا} (93)

قال المفسرون : «الزخرف » الذهب في هذا الموضع ، والزخرف ما تزين به ، كان بذهب أو غيره ، ومنه { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها }{[7710]} [ يونس : 24 ] وفي قراءة عبد الله بن مسعود «أو يكون لك بيت من ذهب » ، قال مجاهد ما كنا نعرف الزخرف حتى قرأنا في حرف عبد الله «من ذهب » ، وقوله { من السماء } يريد في الهواء علواً ، والعرب تسمي الهواء علواً سماء لأنه في حيز السمو . ويحتمل أن يريدوا السماء المعروفة ، وهو أظهر لأنه أعلمهم أن إله الخلق فيها{[7711]} وأنه تأتيه خبرها ، و { ترقى } معناه تصعد ، والرقي الصعود ، ويروى أن قائل هذه المقالة هو عبد الله بن أبي أمية ، فإنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا لا أؤمن لك حتى تأتي بكتاب أراك هابطاً به فيه من الله عز وجل إلى عبد الله بن أبي أمية ، وروي أن جماعتهم طلبت هذا النحو منه ، فأمره الله عز وجل أن يقول { سبحان ربي } أي تنزيهاً له من الإتيان مع الملائكة قبيلاً ، ومن أن يخاطبكم بكتاب كما أردتم ، ومن أن اقترح أن عليه هذه الأشياء ، وهل أنا إلا بشر منكم ، أرسلت إليكم بالشريعة ، فإنما علي التبليغ فقط ، وقرأ ابن كثير وابن عامر «قال سبحان ربي » على معنى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سبح عند قولهم ،


[7710]:من الآية (24) من سورة (يونس).
[7711]:هكذا في الأصول، والله سبحانه وتعالى في كل مكان.