في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةٗ فَنَتَبَرَّأَ مِنۡهُمۡ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّاۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡ حَسَرَٰتٍ عَلَيۡهِمۡۖ وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ} (167)

158

( وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا ) . .

وتبدى الحنق والغيظ من التابعين المخدوعين في القيادات الضالة . وتمنوا لو يردون لهم الجميل ! لو يعودون إلى الأرض فيتبرأوا من تبعيتهم لتلك القيادات العاجزة الضعيفة في حقيقتها ، التي خدعتهم ثم تبرأت منهم أمام العذاب !

إنه مشهد مؤثر : مشهد التبرؤ والتعادي والتخاصم بين التابعين والمتبوعين . بين المحبين والمحبوبين ! وهنا يجيء التعقيب الممض المؤلم :

( كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ، وما هم بخارجين من النار ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةٗ فَنَتَبَرَّأَ مِنۡهُمۡ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّاۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡ حَسَرَٰتٍ عَلَيۡهِمۡۖ وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ} (167)

وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ( 167 )

وقوله تعالى : { وقال الذين اتبعوا } الآية ، المعنى وقال الأتباع الذين تبرىء منهم : لو رددنا إلى الدنيا حتى نعمل صالحاً ونتبرأ منهم ، والكرة : العودة إلى حال قد كانت ، ومنه قول جرير( {[1524]} ) : [ الكامل ]

ولقد عطفن على فزارة عطفة . . . كر المنيح وجلن ثم مجالا( {[1525]} )

والمنيح هنا : أحد الأغفال من سهام الميسر( {[1526]} ) ، وذلك أنه إذا خرج من الربابة( {[1527]} ) رد لفوره لأنه لا فرض فيه ولا حكم عنه ، والكاف من قوله { كما } في موضع نصب على النعت إما لمصدر أو لحال( {[1528]} ) تقديرها متبرئين كما ، والكاف من قوله { كذلك يريهم } قيل : هي في موضع رفع على خبر ابتداء تقديره الأمر كذلك ، وقيل : هي كاف تشبيه مجردة ، والإشارة بذلك إلى حالهم وقت تمنيهم الكرة .

والرؤية في الآية هي من رؤية البصر ، ويحتمل أن تكون من رؤية القلب ، و { أعمالهم } قال الربيع وابن زيد المعنى : الفاسدة التي ارتكبوها فوجبت لهم بها النار ، وقال ابن مسعود والسدي المعنى : الصالحة التي تركوها ففاتتهم الجنة ، ورويت في هذا القول أحاديث ، وأضيفت هذه الأعمال إليهم من حيث هم مأمورون بها ، وأما إضافة الفاسدة إليهم فمن حيث عملوها ، و { حسرات } حال على أن تكون الرؤية بصرية ، ومفعول على أن تكون قلبية ، والحسرة أعلى درجات الندامة والهم بما فات ، وهي مشتقة من الشيء الحسير الذي قد انقطع وذهبت قوته كالبعير والبصر ، وقيل هي من حسر إذا كشف( {[1529]} ) ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «يحسر الفرات عن جبل من ذهب »( {[1530]} ) .


[1524]:- لعله كان: ومنه قول الأخطل يهجو جريرا، ويفتخر على قيس، فإن البيت للأخطل، وحوّله النساخ إلى جرير. وقد نسب في تفسير الطبري إلى الأخطل 2/44.
[1525]:- أي رجعن رجوعا مثل رجوع المَنِيح وهو سهم من سهام الميسر مما لا نصيب له إلا أن يمنح صاحبه شيئا، والتشبيه بالمنيح من جهة أنه يُرجى لصاحبه المغنم في الكرة الثانية.
[1526]:- الأغفال جمع غُفْل كقُفْل: ما لا علامة فيه من القداح.
[1527]:- الربابة: السهام المجموعة، أو شيء تجمع به السهام.
[1528]:- لا حاجة إلى تقدير هذه الحال لأنها إذ ذاك تكون حالا مؤكدة، والحال المؤكدة تكون ملفوظا بها لا مقدرة، وأيضا لا يصح أن تكون الكاف الداخلة على ما المصدرية نعتاً لها لأن هذه الحال صفة للفاعل، والكاف الداخلة على ما المصدرية صفة للفعل. قاله (ح)، وهو واضح.
[1529]:- يقال: حسر عن ذراعه إذا كشف، ومنه الحاسر في الحرب الذي لا درع معه، والانحسار: الانكشاف.
[1530]:- خرجه البخاري ومسلم في الفتن، والترمذي وأبو داود في الملاحم بلفظ: (يوشك الفرات أن يحسر)، وبلفظ: (يحسر الفرات عن كنز من الذهب)، وفي رواية: (عن جبل من ذهب)، وفي آخره: (فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا) أي لما ينشأ عن ذلك من الفتنة والقتال.