في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِينَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَآئِلِينَ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَيۡنَاۖ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِيلًا} (18)

9

ثم يستطرد إلى تقرير علم الله بالمعوقين ، الذين يقعدون عن الجهاد ويدعون غيرهم إلى القعود . ويقولون لهم : ( لا مقام لكم فارجعوا ) . . ويرسم لهم صورة نفسية مبدعة . وهي - على صدقها - تثير الضحك والسخرية من هذا النموذج المكرور في الناس . صورة للجبن والانزواء ، والفزع والهلع . في ساعة الشدة . والانتفاش وسلاطة اللسان عند الرخاء . والشح على الخير والضن ببذل أي جهد فيه . والجزع والاضطراب عند توهم الخطر من بعيد . . والتعبير القرآني يرسم هذه الصورة في لمسات فنية مبدعة لا سبيل إلى استبدالها أو ترجمتها في غير سياقها المعجز :

( قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم : هلم إلينا ، ولا يأتون البأس إلا قليلا . أشحة عليكم . فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت . فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد . أشحة على الخير . أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا . يحسبون الأحزاب لم يذهبوا . وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم . ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا ) . .

ويبدأ هذا النص بتقرير علم الله المؤكد بالمعوقين الذين يسعون بالتخذيل في صفوف الجماعة المسلمة . الذين يدعون إخوانهم إلى القعود ( ولا يأتون البأس إلا قليلا )ولا يشهدون الجهاد إلا لماما . فهم مكشوفون لعلم الله ، ومكرهم مكشوف .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِينَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَآئِلِينَ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَيۡنَاۖ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِيلًا} (18)

ثم وبخهم بأن الله يعلم { المعوقين } وهم الذين يعوقون الناس عن نصرة الرسول ويمنعونهم بالأقوال والأفعال من ذلك ، ويسعون على الدين ، وتقول عاقني أمر كذا وعوّقني إذا بالغت وضعفت الفعل ، وأما «القائلون » فاختلف الناس في حالهم ، فقال ابن زيد وغيره أراد من كان من المنافقين ، يقول لإخوانه في النسب وقرابته { هلم إلينا } أي إلى المنازل والأكل والشرب وترك القتال ، وروي أن جماعة منهم فعلت ذلك ، وروي أن رجلاً من المؤمنين رجع إلى داره فوجد أخاً له منافقاً بين يديه رغيف وشواء وتين ، فقال له : تجلس هكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال ، فقال له أخوه : هلم إلى ما أنا فيه يا فلان ودعنا من محمد فقد والله هلك وما له قبل بأعدائه ، فشتمه أخوه وقال : والله لأعرفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الآية قد نزلت{[9475]} .

وقالت فرقة بل أراد من كان من المنافقين يداخل كفار قريش من العرب فإنه كان منهم من داخلهم وقال لهم { هلم إلينا } أي إلى المدينة فإنكم تغلبون محمداً وتستأصلونه ، فالإخوان على هذا هم في الكفر والمذهب السوء ، و { هلم } معناه : الدعاء إلى الشيء ، ومن العرب من يستعملها على حد واحد للمذكر المؤنث والمفرد والجميع ، وهذا على أنها اسم فعل ، هذه لغة أهل الحجاز ، ومنه من يجريها مجرى الأفعال فيلحقها الضمائر المختلفة فيقول هلم وهلمي وهلموا ، وأصل { هلم } هاْلُمْم نقلت حركة الميم إلى اللام فاستغني عن الألف وأدغمت الميم في الميم لسكونها فجاء { هلم } ، وهذا مثل تعليل رد من أردد{[9476]} ، و { البأس } القتال ، و { إلا قليلاً } معناه إلا إتياناً قليلاً ، وقلته يحتمل أن يكون لقصر مدته وقلة أزمنته ، ويحتمل أن يكون لخساسته وقلة غنائه وأنه رياء وتلميع لا تحقيق .


[9475]:أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه،(الدر المنثور)، وفي روايته أن الرجل كان أخاه من أبيه وأمه. وذكر هذا الحديث ابن جرير الطبري عن ابن زيد أيضا.
[9476]:قال الأزهري:"فتحت هلم لأنها مدغمة، كما فتحت رد في الأمر، فلا يجوز فيها هلم بالضم، كما لا يجوز رد لأنها لا تنصرف". وقال ابن سيدة:"زعم الخليل أن هلم هي لم لحقتها هاء التنبيه".