في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (18)

وعند هذا الحد من رواية الحادث والتعقيب عليه وربطه بالحقائق البعيدة المدى يتجه الخطاب في السورة إلى المؤمنين ، يهتف بهم باسم الإيمان ، ويناديهم بالصفة التي تربطهم بصاحب الخطاب ، وتيسر عليهم الاستجابة لتوجيهه وتكليفه . يتجه إليهم ليدعوهم إلى التقوى . والنظر فيما أعدوه للآخرة ، واليقظة الدائمة ، والحذر من نسيان الله كالذين نسوه من قبل ، ممن رأوا مصير فريق منهم ، وممن كتب عليهم أنهم من أصحاب النار :

)يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ، ولتنظر نفس ما قدمت لغد ، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، أولئك هم الفاسقون . لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة . أصحاب الجنة هم الفائزون ) . .

والتقوى حالة في القلب يشير إليها اللفظ بظلاله ، ولكن العبارة لا تبلغ تصوير حقيقتها . حالة تجعل القلب يقظا حساسا شاعرا بالله في كل حالة . خائفا متحرجا مستحييا أن يطلع عليه الله في حالة يكرهها . وعين الله على كل قلب في كل لحظة . فمتى يأمن أن لا يراه ? !

( ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) . .

وهو تعبير كذلك ذو ظلال وإيحاءات أوسع من ألفاظه . . ومجرد خطوره على القلب يفتح أمامه صفحة أعماله بل صفحة حياته ، ويمد ببصره في سطورها كلها يتأملها وينظر رصيد حسابه بمفرداته وتفصيلاته . لينظر ماذا قدم لغده في هذه الصفحة . . وهذا التأمل كفيل بأن يوقظه إلى مواضع ضعف ومواضع نقص ومواضع تقصير ، مهما يكن قد أسلف من خير وبذل من جهد . فكيف إذا كان رصيده من الخير قليلا ، ونصيبه من البر ضئيلا ? إنها لمسة لا ينام بعدها القلب أبدا ، ولا يكف عن النظر والتقليب !

ولا تنتهي الآية التي تثير كل هذه المشاعر حتى تلح على القلوب المؤمنة بمزيد من الإيقاع :

( واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) . .

فتزيد هذه القلوب حساسية ورهبة واستحياء . . والله خبير بما يعملون . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (18)

هذه آية وعظ وتذكير وتقريب للآخرة ، وتحذير ممن لا تخفى عليه خافية .

وقرأ جمهور الناس : «ولْتنظرْ » بسكون اللام وجزم الراء على الأمر ، وقرا يحيى بن الحارث وأبو حيوة وفرقة كذلك بالأمر إلا أنها كسرت اللام على أصل لام الأمر ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن فيما روي عنه : «ولتنظرَ » بنصب الراء على لام كي كأنه قال وأمرنا بالتقوى لتنظروا ، كأنه قال : { اتقوا الله } ولتكن تقواكم «لتنظرَ » ، وقوله تعالى : { لغد } يريد يوم القيامة ، قال قتادة : قرب الله القيامة حتى جعلها غداً ، وذلك أنها آتية لا محالة وكل آت قريب ، ويحتمل أن يريد بقوله { لغد } : ليوم الموت ، لأنه لكل إنسان كغده ومعنى الآية : ما قدمت من الأعمال ، فإذا نظرها الإنسان تزيد من الصالحات ، وكف عن السيئات ، وقال مجاهد وابن زيد : الأمس : الدنيا ، وغد : الآخرة .