قوله تعالى : { لا جرم } حقاً ، { أن ما تدعونني إليه } أي : إلى الوثن ، { ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة } قال السدي : لا يستجيب لأحد في الدنيا ، ولا في الآخرة ، يعني ليست له استجابة دعوة . وقيل : ليست له دعوة إلى عبادته في الدنيا لأن الأوثان لا تدعي الربوبية ، ولا تدعو إلى عبادتها ، وفي الآخرة تتبرأ من عابديها . { وأن مردنا إلى الله } مرجعنا إلى الله فيجازي كلاً بما يستحقه ، { وأن المسرفين } المشركين { هم أصحاب النار * }
ولما كان انتفاء العلم بالشيء من أهل العلم انتفاء ذلك الشيء في أصول الدين ، كان ما دعوه إليه باطلاً ، وكان ما دعاهم إليه هو الحق ، فلذلك أنتج قطعاً قوله : { لا جرم } وهي وإن كانت بمعنى : لا ظن ولا اضطراب أصلاً - كما مضى في سورة هود عليه السلام فيها معنى العلة ، أي فلأجل ذلك لا شك في { أنما } أي الذي { تدعونني إليه } من هذه الأنداد { ليس له دعوة } بوجه من الوجوه ، فإنه لا إدراك له ، هذا إن أريد ما لا يعقل ، وإن أريد شيء مما يعقل فلا دعوة له مقبولة بوجه فإنه لا يقوم عليها دليل بل ولا شبهة موهمة { في الدنيا } التي هي محل الأسباب ، الظاهرة لأن شيئا منه ليس له واحد من الوصفين { ولا في الآخرة } لأن ما لا تعلم إلهيته كذلك يكون { وإن } أي ولا اضطراب في أن { مردنا } أي ردنا العظيم بالموت وموضع ردنا ووقته منتهٍ { إلى الله } أي الذي له الإحاطة بصفات الكمال لما اقتضته عزته ، فيجازي كل أحد بما يستحقه { وأنَّ } أي ولا شك في أن { المسرفين } أي المجاوزين للحدود العريقين في هذا الوصف { هم } أي خاصة لأجل حكم الله بذلك عليهم { أصحاب النار * } أي الذين يخلدون فيها لا يفارقونها كما يقتضيه معنى الصحبة لأن إسرافهم اقتضى إسراف ملازمتهم للنار التي طبعها الإسراف ، وقد علم أن ربها لا يجزي بالسيئة إلا مثلها .
قوله تعالى : { لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الْآَخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ( 43 ) } سياق لا جرم : أن تكون لا ، رذّا لما دعاه قومه من إشراك بالله . وجرم بمعنى حق ووجب ؛ أي حق ووجب بطلان دعوته . ويجوز أن يكون لا جرم ، نظير لابد . من الجرم وهو القطع ، فكما أنك لابدّ لك أن تفعل . والبُدّ من التبديد الذي هو التفريق . ومعناه لا مفارقة لك من فعل كذا ؛ فكذلك لا جرم معناه : لا انقطاع لبطلان دعوة الأصنام { أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الْآَخِرَةِ } أي أن الذي تدعونني إليه من الأصنام والشركاء ليس له دعوة إلى نفسه قط ، ومن حق المعبود بالحق أن يدعو العباد إلى طاعته . وما تدعو إليه وإلى عبادته لا يدعو هو إلى ذلك ، أو لا يجيب داعيه في الدنيا ولا في الآخرة ؛ فهو في الدنيا جماد لا يستطيع شيئا من دعاء أو غيره ، وفي الآخرة يتبرأ من الدعاء ومن عبدته .
قوله : { وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ } نحن جميعا صائرون إلى الله يوم القيامة ، محشورون بين يديه لملاقاة الحساب والجزاء { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ } المراد بالمسرفين ، المشركون المكذبون بيوم الدين . وقيل : هم الذين غلب شرهم خيرهم . فأولئك يصار بهم إلى النار لتكون لهم مستقرا ومقاما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.