في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ} (23)

16

وقيمة هذه الحقيقة التي لا يتصور العقل غيرها حين يتصور حقيقة الوجود الكبرى . قيمتها في النفس البشرية أن تسكب فيها السكون والطمأنينة عند استقبال الأحداث خيرها وشرها . فلا تجزع الجزع الذي تطير به شعاعا وتذهب معه حسرات عند الضراء . ولا تفرح الفرح الذي تستطار به وتفقد الاتزان عند السراء :

( لكي لا تأسوا على ما فاتكم ، ولا تفرحوا بما آتاكم ) . .

فاتساع أفق النظر ، والتعامل مع الوجود الكبير ، وتصور الأزل والأبد ، ورؤية الأحداث في مواضعها المقدرة في علم الله ، الثابتة في تصميم هذا الكون . . كل أولئك يجعل النفس أفسح وأكبر وأكثر ثباتا ورزانة في مواجهة الأحداث العابرة . حين تتكشف للوجود الإنساني وهي مارة به في حركة الوجود الكوني .

إن الإنسان يجزع ويستطار وتستخفه الأحداث حين ينفصل بذاته عن هذا الوجود . ويتعامل مع الأحداث كأنها شيء عارض يصادم وجوده الصغير . فأما حين يستقر في تصوره وشعوره أنه هو والأحداث التي تمر به ، وتمر بغيره ، والأرض كلها . . ذرات في جسم كبير هو هذا الوجود . . وأن هذه الذرات كائنة في موضعها في التصميم الكامل الدقيق . لازم بعضها لبعض . وأن ذلك كله مقدر مرسوم معلوم في علم الله المكنون . . حين يستقر هذا في تصوره وشعوره ، فإنه يحس بالراحة والطمأنينة لمواقع القدر كلها على السواء . فلا يأسى على فائت أسى يضعضعه ويزلزله ، ولا يفرح بحاصل فرحا يستخفه ويذهله . ولكن يمضي مع قدر الله في طواعية وفي رضى . رضى العارف المدرك أن ما هو كائن هو الذي ينبغي أن يكون !

وهذه درجة قد لا يستطيعها إلا القليلون . فأما سائر المؤمنين فالمطلوب منهم ألا يخرجهم الألم للضراء ، ولا الفرح بالسراء عن دائرة التوجه إلى الله ، وذكره بهذه وبتلك ، والاعتدال في الفرح والحزن . قال عكرمة - رضي الله عنه - " ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ، ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا " . . وهذا هو اعتدال الإسلام الميسر للأسوياء . .

والله لا يحب كل مختال فخور .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ} (23)

لكيلا تأسوا أي أثبت وكتب كي لا تحزنواعلى ما فاتكم من نعم الدنيا ولا تفرحوا بما آتاكم بما أعطاكم الله منها فإن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر وقرأ أبو عمرو بما أتاكم من الإتيان ليعادل ما فاتكم وعلى الأول فيه إشعار بأن فواتها يلحقها إذ خليت وطباعها واما حصولها وإبقاؤها فلا بد لهما من سبب يوجدها ويبقيها والمراد نفي الآسي المانع عن التسليم لأمر الله والفرح الموجب للبطر والاحتيال ولذلك عقبه بقوله والله لا يحب كل مختال فخور إذ قل من يثبت نفسه في حالي الضراء والسراء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ} (23)

وقوله تعالى : { لكي لا تأسوا } معناه : فعل الله ذلك كله وأعلمكم به ليكون سبب تسليمكم وقلة اكتراثكم بأمر الدنيا ، فلا تحزنوا على ما فات ، ولا تفرحوا الفرح المبطر بما آتاكم منها . قال ابن عباس : ليس أحد إلا يفرح ويحزن ، ولكن من أصابته مصيبة يجعلها صبراً ، من أصاب خيراً يجعله شكراً .

وقرأ أبو عمرو وحده : «أتاكم » على وزن مضى ، وهذا ملائم لقوله : { فاتكم } . وقرأ الباقون من السبعة : «آتاكم » ، على وزن أعطاكم ، بمعنى آتاكم الله تعالى ، وهي قراءة الحسن والأعرج وأهل مكة . وقرأ ابن مسعود : «أوتيتم » ، وهي تؤيد قراءة الجمهور .

وقوله تعالى : { والله لا يحب كل مختال فخور } يدل على أن الفرح المنهي عنه إنما هو ما أدى إلى الاختيال ، والفخر بنعم الله المقترن بالشكر والتواضع فأمر لا يستطيع أحد دفعه عن نفسه ولا حرج فيه .