{ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ } فذكر الحالتين جميعاً : { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } يعني : اللوح المحفوظ { مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } : من قبل أن نخلق الأرض والأنفس .
وقال ابن عباس : يعني المصيبة .
وقال أبو العالية : يعني النسَمَة { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } إن خلق ذلك وحفظه على الله هيّن .
أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمّد بن مخلد قال : أخبرنا داود قال : حدّثنا عبيد قال : حدّثنا أبو نعيم قال : حدّثنا الربيع بن أبي صالح قال : دخلت على سعيد بن جبير في نفر فبكى رجل من القوم ، فقال : ما يبكيك ؟ قال : أبكي لما أرى بك ولما يذهب بك إليه . قال : فلا تبكِ ، فإنّه كان في علم الله سبحانه أن يكون ، ألم تسمع إلى قول الله عزّ وجلّ : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ } الآية .
{ لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ } : تحزنوا { عَلَى مَا فَاتَكُمْ } من الدنيا ، { وَلاَ تَفْرَحُواْ } : تبطروا { بِمَآ آتَاكُمْ } . قراءة العامّة بمدّ الألف ، أي ( أعطاكم ) ، واختاره أبو حاتم .
وقرأ أبو عمرو بقصر الألف أي : ( جاءكم ) ، واختاره أبو عبيد ، قال : لقوله سبحانه : { فَاتَكُمْ } ولم يقل : ( أفاتكم ) فجعل له ، فكذلك ( أتاكم ) جعل الفعل له ليوافق الكلام بعضه بعضاً .
قال عكرمة : ما من أحد إلاّ وهو يفرح ويحزن فاجعلوا للفرح شكراً وللحزن صبراً .
{ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } : متكبّر بما أُوتي من الدنيا ، فخور به على الناس .
وقال ابن مسعود : لأن ألحسَ جمرة أحرقت ما أحرقت ، وأبقت ما أبقت ، أحبّ إليّ من أن أقول لشيء كان : ليته لم يكن ، أو لشيء لم يكن : ليته كان .
قال جعفر الصادق : " يا بن آدم ، مالك تأسّف على مفقود لا يردّه إليك الفوت ؟ ومالك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت ؟ " .
وقيل لبزرجمهر : ما لك أيها الحكيم لا تأسف على ما فات ولا تفرح بما هو آت ؟ فقال : لأنّ الفائت لا يتلافى بالعبرة ، والآتي لا يستدام بالحبرة .
وقال الفضيل في هذا المعنى : الدنيا مفيد ومبيد فما أباد فلا رجعة له ، وما أفاد فقد أذن بالرحيل .
وقال الحسين بن الفضل : حمل الله سبحانه بهذه الآية المؤمنين على مضض الصبر على الفائت ، وترك الفرح بالآتي ، والرضا بقضائه في الحالتين جميعاً .
وقال قتيبة بن سعيد : دخلت بعض أحياء العرب فإذا أنا بفضاء من الأرض مملوء من الإبل الموتى والجيف بحيث لا أُحصي عددها ، فسألت عجوزاً : لمن كانت هذه الإبل ؟ فأشارت إلى شيخ على تلّ يغزل صوفاً ، فقلت له : يا شيخ ألك كانت هذه الإبل ؟ قال : كانت باسمي . قلت : فما أصابها ؟ قال : ارتجعها الذي أعطاها . قلت : وهل قلت في ذلك شيئاً ؟ قال : نعم :
لا والذي أخذ [ . . . ] من خلائقه *** والمرء في الدهر نصب الرزء والمحنِ
ما سرّني أنّ إبْلي في مباركها *** وما جرى في قضاء الله لم يكنِ
وقال سلم الخوّاص : من أراد أن يأكل الدارين فليدخل في مذهبنا عامين ؛ ليضع الله سبحانه الدنيا والآخرة بين يديه . قيل : وما مذهبكم ؟ قال : الرضا بالقضا ، ومخالفة الهوى . وأنشد :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.