الآية 23 وقوله تعالى : { لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم } جعل الله تعالى في طباع الخلق الحزن والأسى على ما فاتكم من النعمة ، وينزل بهم [ من ]{[20675]} البلاء والشدة ، والفرح والسرور بما ينالون من النعمة . هذا هو المنشأ والمجعول في طباعهم .
ثم يخرج تأويل الآية بالنهي عن الأسى والحزن بفوت النعمة وعن الفرح والسرور عند إصابتها على وجوه :
أحدها : يقول ، والله أعلم : لئلا تستكثروا من الأسى والحزن على ما فاتكم ، فيحملكم ذلك على الشكوى من الله تعالى { ولا تفرحوا بما آتاكم } أي لا تستكثروا الفرح والسرور حتى يحملكم ذلك على الطغيان والعدوان .
ومثله ذكر في الخبر : { أعوذ بالله من الفقر والنسيء والغنى المطغى } [ بمعناه الترمذي 2306 ] والله أعلم .
والثاني : يقول : لكيلا يشغلكم الأسى والحزن على ما فاتكم من النعمة حتى يفوتكم أضعاف ذلك ، وهو ما وعد لهم من الثواب إذا صبروا كقوله تعالى : { ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع } إلى قوله : { وبشر الصابرين } [ البقرة : 155 ] وقوله{[20676]} تعالى : { أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } [ البقرة : 157 ] .
يقول : لا يشغلكم الجزع وترك الصبر عما{[20677]} وعد لكم من الصلاة والرحمة والاهتداء ، و لذلك قيل : الجزع في المصيبة أعظم المصيبتين ، ويقول أيضا : ولا يشغلكم شدة الفرح والسرور بما آتاكم عن الشكر حتى تفوتكم الزيادة على ذلك ، لأن الله تعالى وعد الزيادة على النعمة إذا شكر بقوله : { لئن شكرتم لأزيدنكم } [ إبراهيم : 7 ] والله أعلم .
والثالث : يقول : { لكيلا تأسوا على ما فاتكم } ولكن انظروا إلى ما كان منكم من الجريمة حتى فاتكم ذلك حين{[20678]} قال : { و ا أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } [ الشورى : 30 ] يقول : { لكيلا تأسوا على ما فاتكم } ولكن انظروا إلى تفريطكم في جنب الله ، وارجعوا عن ذلك ، ولذلك يقول : { ولا تفرحوا بما أتاكم } ولكن انظروا إلى إحسان الله الذي كان إليكم ، والله أعلم .
ويحتمل أن يقول : { لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } ولكن انظروا إلى ما امتحنكم به و ابتلاكم ؛ إذ هو امتحن بعضا بالشدائد والبلايا ، وأمرهم بالصبر على ذلك ، وبعضا بالسعة والرخاء ، وأمرهم بالشكر على ذلك ، فاصبروا ، ولا تجزعوا إن فاتتكم النعم ، وأصابتكم المصائب ، واشكروا له ، ولا تفرحوا عند النعم فرحا ، يكون بطرا وأشرا .
أو يقول : { لكيلا تأسوا على ما فاتكم } فإن الذي أخذ منكم لم يكن في الحقيقة لكم ، إنما هو لغيركم ، ومن كان عنده مال لآخر ، فيأخذه ، فلا يجب أن يحزن على ذلك { ولا تفرحوا بما آتاكم } قرئ ممدودا ومقصورا{[20679]} . فمن مده رد الفعل إلى الله تعالى ، ومن قصره جعل الفعل لذلك الشيء لموافقة قوله { على ما أتاكم } ولم يقل أفاتكم .
وقوله تعالى : { والله لا يحب كل مختال فخور } ولكن يحب ضد ذلك وخلاف{[20680]} المختال المتكبر ، فيحب المتواضع الخاضع ؛ والفخور ، هو الذي يفتخر بما أنعم الله تعالى عليه وعلى الناس ، ويحب الشكور الذي يشكر على نعمه بالتوسيع على عباده .
وجائز أن يكون هذا كله وصف الكفار ؛ كأنه يقول : لا يحب كل كفار لقوله{[20681]} { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } [ إبراهيم : 5 و . . . . ] أي يحب المؤمن ، لأن المؤمن ، يكون صبارا على المصائب/ 551 – ب/ شكورا لنعمائه ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.