فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ} (23)

{ لّكَيْلاَ تَاسَوْا على مَا فَاتَكُمْ } أي اختبرناكم بذلك لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا { وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا ءاتاكم } منها : أي أعطاكم منها ، فإن ذلك يزول عن قريب ، وكلّ زائل عن قريب لا يستحق أن يفرح بحصوله ولا يحزن على فواته ، ومع أن الكل بقضاء الله وقدره ، فلن يعدو امرأ ما كتب له ، وما كان حصوله كائناً لا محالة فليس بمستحقّ للفرح بحصوله ولا للحزن على فوته ، قيل : والحزن والفرح المنهيّ عنهما هما اللذان يتعدّى فيهما إلى ما لا يجوز ، وإلاّ فليس من أحد إلاّ وهو يحزن ويفرح . قرأ الجمهور : { بما آتاكم } بالمدّ : أي أعطاكم ، وقرأ أبو العالية ونصر بن عاصم وأبو عمرو بالقصر : أي جاءكم ، واختار القراءة الأولى أبو حاتم ، واختار القراءة الثانية أبو عبيد { والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } أي لا يحبّ من اتصف بهاتين الصفتين وهما الاختيال والافتخار ، قيل : هو ذمّ للفرح الذي يختال فيه صاحبه ويبطر ، وقيل : إن من فرح بالحظوظ الدنيوية وعظمت في نفسه اختال وافتخر بها ، وقيل : المختال الذي ينظر إلى نفسه ، والفخور الذي ينظر إلى الناس بعين الاستحقار . والأولى تفسير هاتين الصفتين بمعناهما الشرعي ثم اللغوي ، فمن حصلتا فيه فهو الذي لا يحبه الله .

/خ24