الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ} (23)

وقوله : { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ } معناه : فَعَلَ اللَّهُ هذا كُلَّه ، وأَعلمكم به ؛ ليكونَ سَبَبَ تسليتكم وقِلَّةَ اكتراثكم بأمور الدنيا ، فلا تحزنوا على فائت ، و{ ولا تفرحوا } الفَرَحَ المبطر { بما آتاكم } منها ، قال ابن عباس : ليس أحد إلاَّ يحزنُ أو يفرحُ ، ولكن مَنْ أصابته مصيبةٌ فليجعلها صبراً ، ومَنْ أصابه خير فليجعله شكراً ؛ وفي«صحيح مسلم » عن أبي سعيد وأبي هريرةَ ، أَنَّهُمَا سَمِعَا رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول : " مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ وَصَبٍ وَلاَ نَصَبٍ ، وَلاَ سَقَمٍ وَلاَ حَزَنٍ ، حَتَّى الهَمِّ يَهُمُّهُ إلاَّ كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ " ، وفي «صحيح مسلم » عن عائِشَةَ قالت : سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا ، إلاَّ كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خِطِيئَةٌ " ، وفي «صحيح مسلم » عن أبي هريرةَ قال : لَمَّا نَزَلَتْ : { مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغاً شَدِيداً ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : " سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ المُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا وَالشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا " ، انتهى . وقد تقدم كثير في هذا المختصر من هذا المعنى ، فاللَّه المسؤول أَنْ ينفع به كُلَّ مَنْ حَصَّله أو نظر فيه .

وقوله تعالى : { والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } : يدلُّ على أَنَّ الفرحَ المنهيَّ عنه إنَّما هو ما أَدَّى إلى الاختيال والفخر ، وأَمَّا الفَرَحُ بنعم اللَّه المقترن بالشكر والتواضع ، فَإنَّه لا يستطيع أَحَدٌ دَفْعَهُ عن نفسه ، ولا حرجَ فيه ، واللَّه أعلم .