فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ} (23)

{ لكيلا تأسوا } أي أخبرناكم بأنا قد فرغنا من التقدير لكيلا تحزنوا { على ما فاتكم } من الدنيا وسعتها أو من العافية وصحتها { ولا تفرحوا } أي لا تبطروا بطر المختال الفخور { بما آتاكم } منها أي أعطاكم ، قرأ الجمهور بالمد . وقرئ بالقصر ، أي جاءكم فإن ذلك يزول عن قريب لا يستحق أن يفرح بحصوله ، ولا للحزن على فوته .

قيل : والفرح والحزن المنهي عنهما هما اللذان يتعدى فيهما إلى ما لا يجوز ، وإلا فليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح ، ولكن ينبغي أن يكون الفرح شكرا ، والحزن صبرا ، وإنما يلزم من الحزن الجزع المنافي للصبر ، ومن الفرح الأشر المطغي الملهي عن الشكر ، كما قال ابن عباس : ليس أحد إلا وهو يحزن ويفرح ، ولكن ما أصابته مصيبة جعلها صبرا ، ومن أصابه خير جعله شكرا ، وعنه قال : يريد مصائب المعاش ، ولا يريد مصائب الدين ، أمرهم أن يأسوا على السيئة ويفرحوا بالحسنة ، قال جعفر بن الصادق رضي الله تعالى عنه : يا ابن آدم مالك تأسف على مفقود لا يرد إليك الفوت ومالك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت .

{ والله لا يحب كل مختال فخور } أي لا يحب من اتصف بهاتين الصفتين وهما الاختيال والافتخار ، قيل : هو ذم للفرح الذي يختال فيه صاحبه ويبطر ، وقيل : إن من فرح بالحظوظ الدنيوية وعظمت في نفسه اختال وافتخر بها ، وقيل : المختال الذي ينظر إلى نفسه ، والفخور الذي ينظر إلى الناس بعين الاستحقار ، والأولى تفسير هاتين الصفتين بمعناهما الشرعي ثم اللغوي فمن حصلتا فيه فهو الذي لا يحبه الله .