{ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } لمحاويج ، وهو دليل على أن المسكين يطلق على من يملك شيئا إذا لم يكفه . وقيل سموا مساكين لعجزهم عن دفع الملك أو لزمانتهم فإنها كانت لعشرة إخوة خمسة زمنى وخمسة يعملون في البحر . { فأردت أن أعيبها } أن أجعلها ذات عيب . { وكان وراءهم ملك } قدامهم أو خلفهم وكان رجوعهم عليه ، واسمه جلندى بن كركر ، وقيل منوار بن جلندى الأزدي . { يأخذ كلّ سفينة غصبا } من أصحابها . وكان حق النظم أن يتأخر قوله { فأردت أن أعيبها } عن قوله { وكان وراءهم ملك } لأن إرادة التعيب مسببة عن خوف الغصب وإنما قدم للعناية أو لأن السبب لما كان مجموع الأمرين خوف الغصب ومسكنه الملاك رتبه على أقوى الجزأين وأدعاهما وعقبه بالآخر على سبيل التقييد والتتميم ، وقرئ " كل سفينة صالحة " والمعنى عليها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قال الخضر لموسى، عليهما السلام: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها}، يعني: أن أخرقها،
{وكان ورائهم ملك}، يعني: أمامهم، كقوله سبحانه: {ويذرون وراءهم يوما ثقيلا}، [الإنسان:27]...
{يأخذ كل سفينة} صالحة صحيحة سوية،
{غصبا}... يعنى غصبا من أهلها، يقول: فعلت ذلك؛ لئلا ينتزعها من أهلها ظلما، وهم لا يضرهم خرقها.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول: أما فعلي ما فعلت بالسفينة، فلأنها كانت لقوم مساكين "يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا "بالخرق الذي خرقتها...
وقوله: "وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ" وكان أمامهم وقُدّامهم ملك...
عن قتادة، قال: كان في القراءة: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا. وقد ذُكر عن ابن عُيينة، عن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قرأ ذلك: وكان أمامهم ملك...
وقد جعل بعض أهل المعرفة بكلام العرب "وراء" من حروف الأضداد، وزعم أنه يكون لما هو أمامه ولما خلفه...
وقوله: "يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا" فيقول القائل: فما أغنى خَرْق هذا العالم السفينة التي ركبها عن أهلها، إذ كان من أجل خرقها يأخذ السفن كلها، مَعِيبها وغير معيبها، وما كان وجه اعتلاله في خرقها بأنه خرقها، لأن وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا؟ قيل: إن معنى ذلك، أنه يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا، ويدع منها كلّ معيبة، لا أنه كان يأخذ صحاحها وغير صحاحها. فإن قال: وما الدليل على أن ذلك كذلك؟ قيل: قوله: "فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا" فأبان بذلك أنه إنما عابها لأن المعيبة منها لا يعرض لها، فاكتفى بذلك من أن يقال: وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا، على أن ذلك في بعض القراءات كذلك...
آراء ابن حزم الظاهري في التفسير 456 هـ :
ذَهب ابن حزم – رحمه الله – إلى أن المِسْكين هو الذي لا يجد غنى يُغْنِيه، وأما الفقير فهو الذي لا يجد شيئاً أصلاً، فالمسكين أَيْسَرُ حالاً من الفقير. قال ابن حزم: الفقراء: هم الذين لا شيءَ لهم أصلاً، والمساكين: هم الذين لهم شيءٌ لا يَقومُ بهم...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
لَمّا فارَقَ الخضرُ موسى عليه السلام لم يُرِدْ أَنْ يبقى في قلب موسى شِبْهُ اعتراضٍ؛ فأَزَالَ عن قلبه ذلك بما أَوْضَحَ له من الحال، وكَشَفَ له أنَّ السِّرَّ في قصْده من خَرْقِ السفينة سلامتُها وبقاؤُها لأهلها حيث لن يَطمعَ فيها المَلِكُ الغاصبُ، فبَقَاءُ السفينةِ لأهلها- وهي مَعِيبةٌ -كان خيراً لهم من سلامتها وهي مَغْصوبةٌ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلتَ: قوله: {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} مُسَبَّبٌ عن خوفِ الغَصْبِ عليها فكان حقُّه أن يَتأخَّر عن السبب، فلِمَ قُدِّمَ عليه؟ قلتُ: النِّيَّةُ به التأخيرُ، وإنما قُدِّم للعِناية، ولأن خوفَ الغصْبِ ليس هو السبب وحده، ولكنْ مع كونِها للمساكين...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
فَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمِسْكِينَ هُوَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، وَفَرَّ من ذَلِكَ قَوْمٌ حَتَّى قَرَءُوهَا لِمَسَّاكِينَ -بِتَشْدِيدِ السِّينِ- من الِاسْتِمْسَاكِ، وَهَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا نَسَبَهُمْ إلَى الْمَسْكَنَةِ لِأَجْلِ ضَعْفِ الْقُوَّةِ، بَلْ عَدَمِهَا فِي الْبَحْرِ، وَافْتِقَارِ الْعَبْدِ إلَى الْمَوْلَى كَسْبًا وَخَلْقًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ يَقِينًا أَنَّ الْحَوْلَ وَالْقُوَّةَ لِلَّهِ فَلْيَرْكَبْ الْبَحْرَ...
جهود القرافي في التفسير 684 هـ :
المُرادُ بالمساكين: المَقْهورون... معنى الآية: لا طاقةَ لهم بدَفْع المَلِك عن غَصْب سفينتِهم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{أما السفينة} التي أحسن إلينا أهلها فخرقتها {فكانت لمساكين} وهو دليل للشافعي على أن الفقير أسوأ حالاً من المسكين، لأن هؤلاء يملكون سفينة {يعملون في البحر} ليستعينوا بذلك على معاشهم.
ولما كان التعييب من فعله، أسنده إليه خاصة، تأدباً مع الله تعالى فقال: {فأردت أن أعيبها} فإن تفويت منفعتها بذلك ساعة من نهار وتكليف أهلها لوحاً يسدونها به أخف ضرراً من تفويتهم منفعتها أخذاً ورأساً بأخذ الملك لها، ولم أرد إغراق أهلها كما هو المتبادر إلى الفهم؛ ثم عطف على ذلك علة فعله فقال: {وكان وراءهم} أي أمامهم، ولعله عبر بلفظ (وراء) كناية عن الإحاطة بنفوذ الأمر في كل وجهة وارتهم و واروها، وفسره الحرالي في سورة البقرة بأنه وراءهم في غيبته عن علمهم وإن كان أمامهم في وجهتهم، لأنه فسر الوراء بما لا يناله الحس ولا العلم حيثما كان من المكان، قال: فربما اجتمع أن يكون الشيء، وراء من حيث إنه لا يعلم، ويكون أماماً في المكان. {ملك يأخذ} في ذلك الوقت {كل سفينة} ليس فيها عيب {غصباً} من أصحابها ولم يكن عند أصحابها علم به. ولما كان كل من الغصب والمسكنة سبباً لفعله، قدمها على الغصب، إشارة إلى أن أقوى السببين الحاملين على فعله الرأفة بالمساكين.
السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني 977 هـ :
لَمّا... كان كلٌّ من الغصْب والمَسْكَنةِ سببَ الفعل قَدَّمَها على الغصْب إشارةً إلى أن أقوى السببيْن الحامليْن على فِعله الرَّأفةُ بالمساكين...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وبدأت الإجابات على علامات الاستفهام التي ارتسمت في ذهن النبي موسى عليه السلام، ومضى العبد الصالح العالم يفسر أفعاله...فما فعلته لم يكن عدواناً على الراكبين فيها والعاملين عليها، بل صيانةً لحقوق أصحابها، مع ملاحظة أن الثغرة لم تعرّضها للخطر، ولم تغرق الراكبين فيها، ولهذا نزلنا منها، كما نزل الآخرون على خير وسلامة، فأيّة مشكلةٍ في هذا قد تنافي العقل والعدل والشريعة؟
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.