في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

وبتقرير حقيقة البقاء وراء الفناء ، وما ينبثق منها من حقيقة الاتجاه الكلي إلى الواحد الباقي ، وتعلق مشيئته - سبحانه - بشئون الخلائق وتقديرها وتدبيرها ، فضلا منه ومنة على العباد . .

بتقرير هذه الحقيقة الكلية وما ينبثق عنها من حقائق ينتهي الاستعراض الكوني ، ومواجهة الجن والإنس به ؛ ويبدأ مقطع جديد . فيه تهديد وفيه وعيد . تهديد مرعب مفزع ، ووعيد مزلزل مضعضع . تمهيدا لهول القيامة الذي يطالع الثقلين في سياق السورة بعد ذاك :

( سنفرغ لكم أيها الثقلان . فبأي آلاء ربكما تكذبان ? يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا . لا تنفذون إلا بسلطان . فبأي آلاء ربكما تكذبان ? يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران . فبأي آلاء ربكما تكذبان ? ) . .

( سنفرغ لكم أيها الثقلان ) . .

يا للهول المرعب المزلزل ، الذي لا يثبت له إنس ولا جان . ولا تقف له الجبال الرواسي ولا النجوم والأفلاك !

الله . جل جلاله . الله القوي القادر ، القهار الجبار ، الكبير المتعال . الله - سبحانه - يفرغ لحساب هذين الخلقين الضعيفين الصغيرين : الجن والإنس ، في وعيد وانتقام !

إنه أمر . إنه هول . إنه فوق كل تصور واحتمال !

والله - سبحانه - ليس مشغولا فيفرغ . وإنما هو تقريب الأمر للتصور البشري . وإيقاع الوعيد في صورة مذهلة مزلزلة ، تسحق الكيان بمجرد تصورها سحقا . فهذا الوجود كله نشأ بكلمة . كلمة واحدة . كن فيكون . وتدميره أو سحقه لا يحتاج إلا واحدة كلمح بالبصر . . فكيف يكون حال الثقلين ، والله يفرغ لهما وحدهما ، ليتولاهما بالانتقام ? !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

سنفرغ لكم أيها الثقلان أي سنتجرد لحسابكم وجزائكم وذلك يوم القيامة فإنه تعالى لا يفعل فيه غيره وقيل تهديد مستعار من قولك لمن تهدده سأفرغ لك فإن المتجرد للشيء كان أقوى وأجد فيه وقرأ حمزة والكسائي بالياء وقرئ سنفرغ إليكم أي سنقصد إليكم و الثقلان الإنس والجن سميا بذلك لثقلهما على الأرض أو لرزانة رأيهما وقدرهما أو لأنهما مثقلان بالتكليف .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

قوله جل ذكره : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ } .

أي للحساب يومَ القيامة - وليس به اشتغالٌ . . . تعالى اللَّهُ عن ذلك .

ومعنى الآية : سنقصد لحسابكم .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

تهديد ووعيد

{ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ ( 31 ) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 32 ) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ ( 33 ) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 34 ) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنْتَصِرَانِ ( 35 ) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 36 ) } .

31

المفردات :

سنفرغ لكم أيها الثقلان : سنأخذ في جزائكم فقط أيها الإنس والجان .

التفسير :

31 ، 32- { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ*فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .

تحدثت الآيات السابقة عن الحق سبحانه : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } . أي : كل وقت هو في شئون ملكوته التي لا تحصى ولا تعد .

فإذا انتهت الدنيا وقامت القيامة قصد سبحانه إلى حساب الثقلين ، الجن والإنس ، والله سبحانه وتعالى لا يشغله شأن عن شأن .

والمقصود : سنريكم أهوال القيامة ، والحشر والسؤال ، والميزان والصراط . كما تقول لمن هو دونك سأتفرغ لك ، أي سأوجه همتي لمحاسبتك ومعاقبتك .

قال البيضاوي :

أي : سنتجرد لحسابكم وجزائكم يوم القيامة ، وفيه تهديد مستعار من قولك لمن تهدده : سأفرغ لك ، فإن المتجرد للشيء يكون أقوى عليه وأجدَّ فيه .

والثقلان : الجن والإنس ، سُمِّيا بذلك لثقلهما على الأرض .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

{ سنفرغ لكم أيها الثقلان } الفراغ هنا : القصد إلى الشيء والإقبال عليه . يقال : فرغ له وإليه – كمنع وسمع ونصر – قصد . وسأفرغ لفلان : سأجله قصدى . والثقلان : الإنس والجن ؛ تتنية ثقل ، بفتحتين . وأصله سنقصده يوم القيامة إلى محاسبتكم ومجازاتكم على ما قدمتم من الأعمال ، وسيكون ذلك شأننا في هذا اليوم فحسب !

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

سنفرُغ لكم : هو مجرد تهديد لأن الله تعالى لا يشغله شيء ، والمعنى سنحاسبكم . أيها الثقلان : الإنس والجن .

سنحاسِبُكم أيها الإنسُ والجنّ يومَ القيامة ، وهذا وعيدٌ شديد من الله لعباده ، فإن الله تعالى لا يَشغَله شيء .

قراءات :

قرأ حمزة والكسائي : سيفرغ لكم بالياء . والباقون : سنفرُغ لكم بالنون .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

{ سَنَفْرُغُ لَكُمْ } الفراغ في اللعنة يقتضي سابقة شغل .

والفراغ للشيء يقتضي لأحقيته أيضاً ، والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن فجعل انتهاء الشؤون المشار إليها بقوله تعالى : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ شَأْنٍ } [ الرحمن : 29 ] يوم القيامة إلى واحد هو جزاء المكلفين فراغاً لهم على سبيل التمثيل لأن من ترك أشغاله إلى شغل واحد يقال : فرغ له وإليه فشبه حال هؤلاء وأخذه تعالى في جزائهم فحسب بحال من فرغ له ، وجازت الاستعارة التصريحية التبعية في { سَنَفْرُغُ } بأن يكون المراد سنأخذ في جزائكم فقط الاشتراك الأخذ في الجزاء فقط ، والفراغ عن جميع المهام إلى واحد في أن المعنى به ذلك الواحد ، وقيل : المراد التوفر في الانتقام والنكاية ، وذلك أن الفراغ للشيء يستعمل في التهديد كثيراً كأنه فرغ عن كل شيء لأجله فلم يبق له شغل غيره فيدل على التوفر المذكور ، وهو كناية فيمن يصح عليه ، ومجاز في غير كالذي نحن فيه ، ولعل مراد ابن عباس . والضحاك بقولهما كما أخرج ابن جرير عنهما هذا وعيد من الله تعالى لعباده ما ذكر ، والخطاب عليه قيل : للمجرمين ، وتعقب بأن النداء الآتي يأباه ، نعم المقصود بالتهديد هم ، وقيل : لا مانع من تهديد الجميع ، ثم إن هذا التهديد إنما هو بما يكون يوم القيامة ، وقول ابن عطية : يحتمل أن يكون ذلك توعداً بعذاب الدنيا مما لا يكاد يلتفت إليه ، وقيل : إن فرغ يكون بمعنى قصد ، واستدل عليه بما أنشده ابن الأنباري لجرير

: ألان وقد ( فرغت ) إلى نمير *** فهذا حين كنت لهم عذاباً

أي قصدت ، وأنشد النحاس

: فرغت إلى العبد المقيد في الحجل *** وفي الحديث «لأتفرغن لك يا خبيث » قال صلى الله عليه وسلم مخاطباً به أزب العقبة يوم بيعتها أي لأقصدن إبطال أمرك ، ونقل هذا عن الخليل . والكسائي . والفراء ، والظاهر أنهم حملوا ما في الآية على ذلك ، فالمراد حينئذ تعلق الإرادة تعلقاً تنجيزياً بجزائهم ، وقرأ حمزة . والكسائي . وأبو حيوة . وزيد بن علي سيفرغ بياء الغيبة ، وقرأ قتادة . والأعرج { سَنَفْرُغُ } بنون العظمة . وفتح الراء مضارع فرغ بكسرها وهو لغة تميم كما أن { سَنَفْرُغُ } في قراءة الجمهور مضارع فرغ بفتحها لغة الحجاز ، وقرأ أبو السمال . وعيسى { سَنَفْرُغُ } بكسر النون وفتح الراء وهي على ما قال أبو حاتم لغة سفلى مضر ، وقرأ الأعمش . وأبو حيوة بخلاف عنهما . وابن أبي عبلة . والزعفراني سيفرغ بضم الياء وفتح الراء مبنياً للمفعول ؛ وقرأ عيسى أيضاً { سَنَفْرُغُ } بفتح النون وكسر الراء ، والأعرج أيضاً سيفرغ بفتح الياء والراء وهي لغة ، وقرئ سأفرغ بهمزة المتكلم وحده ، وقرأ أبيّ { سَنَفْرُغُ } إليكم عداه بإلى فقيل : للحمل على القصد ، أو لتضمينه معناه أي { سَنَفْرُغُ } قاصدين إليكم .

{ أَيُّهَ الثقلان } هما الإنس والجن من ثقل الدابة وهو ما يحمل عليها جعلت الأرض كالحمولة والإنس والجن ثقلاها ، وما سواهما على هذا كالعلاوة ، وقال غير واحد : سميا بذلك لثقلهما على الأرض ، أو لرزانة رأيهما وقدرهما وعظم شأنهما . ويقال لكل عظيم القدر مما يتنافس فيه : ثقل ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي » وقيل : سميا بذلك لأنهما مثقلان بالتكليف ، وعن الحسن لثقلهما بالذنوب .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

شرح الكلمات :

{ سنفرغ لكم أيها الثقلان } : أي لحسابكم ومجازاتكم بعد انتهاء هذه الحياة الدنيا ونجزى كلاً بما عمل .

/د31

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

{ 31-32 } { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

{ سَنَفْرُغُ لكم أيها الثقلان فبأي آلاء ربكما تكذبان } أي : سنفرغ لحسابكم ومجازاتكم بأعمالكم التي عملتموها في دار الدنيا .

 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

{ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ ( 31 ) }

سنفرُغ لحسابكم ومجازاتكم بأعمالكما التي عملتموهما في الدنيا ، أيها الثقلان- الإنس والجن- ، فنعاقب أهل المعاصي ، ونُثيب أهل الطاعة .

 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

{ سنفرغ لكم أيها الثقلان }

{ سنفرغ لكم } سنقصد لحسابكم { أيها الثقلان } الإنس والجن .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان سنفرغ لكم } قرأ حمزة والكسائي : " سيفرغ " بالياء لقوله : { يسأله من في السماوات والأرض ويبقى وجه ربك وله الجوار } فأتبع الخبر . وقرأ الآخرون بالنون ، وليس المراد منه الفراغ عن شغل ، لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن ، ولكنه وعيد من الله تعالى للخلق بالمحاسبة ، كقول القائل لأتفرغن لك ، وما به شغل ، وهذا قول ابن عباس والضحاك ، وإنما حسن هذا الفراغ لسبق ذكر الشأن . وقال آخرون : معناه : سنقصدكم بعد الترك والإمهال ونأخذ في أمركم ، كقول القائل للذي لا شغل له : قد فرغت لك . وقال بعضهم : إن الله وعد أهل التقوى وأوعد أهل الفجور ، ثم قال : سنفرغ لكم مما وعدناكم وأخبرناكم ، فنحاسبكم ونجازيكم وننجز لكم ما وعدناكم ، فنتم ذلك ويفرغ منه ، وإلى هذا ذهب الحسن ومقاتل . { أيها الثقلان } أي : الجن والإنس ، سميا ثقلين لأنهما ثقل على الأرض أحياء وأمواتاً ، قال الله تعالى : { وأخرجت الأرض أثقالها } ( الزلزلة-2 ) وقال أهل المعاني : كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي " فجعلهما ثقلين إعظاماً لقدرهما . وقال جعفر بن محمد الصادق : سمي الجن والإنس ثقلين لأنهما مثقلان بالذنوب .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

ثم هدد - سبحانه - الذين يخالفون عن أمره تحذيرا شديدا ، فقال : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثقلان فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .

وجىء بحرف التنفيس الدال على القرب وهو السين للإشعار بتحقق ما أخبر به - سبحانه - .

وقوله : { نَفْرُغُ } من الفراغ ، وهو الخلو عما يشغل . .

والمراد به هنا : القصد إلى الشىء والإقبال عليه ، يقال : فلان فرغ لفلان وإليه ، إذا قصد إليه لأمر ما .

والثقلان : تثنية ثقل - بفتحتين - ، وأصله كل شىء له وزن وثقل ، والمراد بهما هنا : الإنس والجن .

والمعنى : سنقصد يوم القيامة إلى محاسبتكم على أعمالكم ، وسنجازيكم عليها بما تستحقون ، وسيكون هذا شأننا - أيها الثقلان - فى هذا اليوم العظيم .

قال صاحب الكشاف : قوله : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ } مستعار من قول الرجل لمن يتهدده ، سأفرغ لك ، يريد سأتجرد للإيقاع بك من كل ما يشغلنى عنك ، حتى لا يكون لى شغل سواه ، والمراد : التوفر على النكاية فيه ، والانتقام منه .

ويجوز أن يراد ستنتهى الدنيا وتبلغ آخرها ، وتنتهى عند ذلك شئون الخلق التى أرادها بقوله - تعالى - : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } ، فلا يبقى إلا شأن واحد ، وهو جزاؤكم ، فجعل ذلك فراغا لهم على طريق المثل .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{سنفرع لكم أيه الثقلان} يعني سنفرغ لحساب الإنس والجن... وهذا من كلام العرب يقول: سأفرغ لك، وإنه لفارغ قبل ذلك، وهذا تهديد، والله تعالى لا يشغله شيء، يقول: سيفرغ الله في الآخرة لحسابكم أيها الثقلان يعني الجن والإنس.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

... وعيد من الله لعباده وتهدّد، كقول القائل الذي يتهدّد غيره ويتوعده، ولا شغل له يشغله عن عقابه، لأتفرغنّ لك، وسأتفرّغ لك، بمعنى: سأجدّ في أمرك وأعاقبك، وقد يقول القائل للذي لا شغل له، قد فرغت لي، وقد فرغت لشتمي: أي أخذت فيه وأقبلت عليه، وكذلك قوله جلّ ثناؤه:"سَنَفْرُغُ لَكُمْ": سنحاسبكم، ونأخذ في أمركم أيها الإنس والجنّ، فنعاقب أهل المعاصي، ونثيب أهل الطاعة... عن ابن عباس، قوله: "سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيّها الثّقَلانِ "قال: وَعيد من الله للعباد، وليس بالله شغل، وهو فارغ.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{سنفرغ لكم أيه الثقلان} [{فبأي آلاء ربكما تكذبان}]...إن الفراغ ليس يستعمل في الفراغ من الشغل خاصة، لكن يستعمل له ولغيره من نحو إنجاز ما وعد، وأوعد، كأنه قال: سننجز لكم ما أوعدتكم {أيه الثقلان}. وعندنا أن الفراغ هو اسم لانقضاء الفعل وتمامه لا للفراغ من الشغل؛ يقال: فلان فرغ من شغله، إذا فرغ من بناء داره، إذا أتمه، وانقضى ذلك. ألا ترى أنه، وإن فرغ من شغل تلك الدار وذلك العمل، فهو مشغول بغيره؟ دل أنه ليس باسم للفراغ من الشغل؛ إذ لو كان اسما للفراغ من الشغل لا يوصف به، وهو مشغول بغيره. دل أنه اسم للتمام والانقضاء. لكن فهم الخلق بعضهم من بعض الفراغ من الشغل لما أن فعلهم الشيء لا يلتئم إلا بالشغل في ذلك، ففهم ذلك من فعلهم. فأما الله سبحانه وتعالى حين لا يشغله فعل عن فعل ولا شيء عن شيء لم يجز أن يفهم من فراغه من الشغل فراغه، وبالله العصمة والتوفيق.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

الفراغ للفعل هو التوفر عليه دون غيره {أَيُّهَ الثَّقَلاَنِ} أي الجن والإنس، دليله قوله في عقبه {يمَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ} سمّيا ثقلين؛ لأنهما ثقل أحياءً وأمواتاً، قال الله سبحانه: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة: 2] وقال بعض أهل المعاني: كل شيء له قدر ينافس فيه فهو ثقل...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{سَنَفْرُغُ لَكُمْ}...ويجوز أن يراد: ستنتهي الدنيا وتبلغ آخرها، وتنتهي عند ذلك شؤون الخلق التي أرادها بقوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} فلا يبقى إلا شأن واحد وهو جزاؤكم، فجعل ذلك فراغاً لهم على طريق المثل.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{سنفرغ لكم}. عبارة عن إتيان الوقت الذي قدر فيه وقضى أن ينظر في أمور عباده وذلك يوم القيامة،...

.ويحتمل أن يكون التوعد بعذاب في الدنيا، والأول أبين.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{سنفرغ} أي بوعد قريب لا خلف فيه من جميع الشؤون التي ذكرت {لكم} أي نعمل علم من يفرغ للشيء فلا يكون له شغل سواه بفراغ جنودنا من الملائكة وغيرهم مما أمرناهم به مما سبقت به كلمتنا ومضت به حكمتنا من الآجال والأرزاق وغير ذلك فينتهي كله ولا يكون لهم حينئذ عمل إلا جمعكم ليقضي بينكم: {أيّه الثقلان} بالنصفة، والثقل هو ما يكون به قوام صاحبه، فكأنهما سميا بذلك تمثيلاً لهما بذلك إشارة إلى أنهما المقصودان بالذات من الخلائق...

تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :

{سَنَفْرُغُ لكمْ أيُّها الثَّقَلاَنِ} هذه الآية أشد عليّ كما شد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- {فاستقم كما أُمرت} [هود: 112] وأهوال القيامة، لأَنها جاءت على شكل من له مملوك أنعم عليه ولم يشكر، فقال سأَترك الأَشغال كلها وأُعاملك بما تستحق...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

يا للهول المرعب المزلزل، الذي لا يثبت له إنس ولا جان. ولا تقف له الجبال الرواسي ولا النجوم والأفلاك! الله. جل جلاله. الله القوي القادر، القهار الجبار، الكبير المتعال. الله -سبحانه- يفرغ لحساب هذين الخلقين الضعيفين الصغيرين: الجن والإنس، في وعيد وانتقام! إنه أمر. إنه هول. إنه فوق كل تصور واحتمال! والله -سبحانه- ليس مشغولا فيفرغ. وإنما هو تقريب الأمر للتصور البشري. وإيقاع الوعيد في صورة مذهلة مزلزلة، تسحق الكيان بمجرد تصورها سحقا...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وحرف التنفيس مستعمل في مطلق التقريب المكنَّى به عن التحقيق، كما تقدم في قوله تعالى: {قال سوف أستغفر لكم ربي} في سورة يوسف (98). والفراغ للشيء: الخلوُ عما يشغل عنه، وهو تمثيل للاعتناء بالشيء، شبّه حال المقبل على عمل دون عملٍ آخر بحال الوعاء الذي أُفْرغَ مما فيه ليُملأ بشيء آخر. وهذا التمثيل صالح للاستعمال في الاعتناء كما في قول أبي بكر الصديق لابنه عبد الرحمان افْرُغْ إلى أضيافك (أي تخل عن كل شغل لتشتغل بأضيافك وتتوفر على قِراهم)...والمناسب لسياق الآية باعتبار السابق واللاحق، أن تحمل على معنى الإِقبال على أمور الثقلين في الآخرة، لأن بعده {يعرف المجرمون بسيماهم} [الرحمن: 41]، وهذا لكفار الثقلين وهم الأكثر في حين نزول هذه الآية.وأحسب أن الثّقَل هو الإِنسان لأنه محمول على الأرض، فهو كالثقل على الدابة، وأن إطلاق هذا المثنى على الإنس والجن من باب التغليب، وقيل غير هذا مما لا يرتضيه المتأمل. وقد عد هذا اللفظ بهذا المعنى مما يستعمل إلا بصيغة التثنية فلا يطلق على نوع الإنسان بانفراده اسم الثقل ولذلك فهو مثنى اللفظ مفرد الإطلاق. وأظن أن هذا اللفظ لم يطلق على مجموع النوعين قبل القرآن فهو من أعلام الأجناس بالغلبة، ثم استعمله أهل الإسلام..