في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةُۢۗ بَلِ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ فِي ٱلۡعَذَابِ وَٱلضَّلَٰلِ ٱلۡبَعِيدِ} (8)

ويمضون في العجب والتعجيب ، والاستنكار والتشهير : ( أفترى على الله كذباً أم به جنة ? ) . . فما يقول مثل هذا الكلام - بزعمهم - إلا كاذب يفتري على الله ما لم يقله ، أو مسته الجن فهو يهذي أو ينطق بالعجيب الغريب !

ولم هذا كله ? لأنه يقول لهم : إنكم ستخلقون خلقاً جديداً ! وفيم العجب وهم قد خلقوا ابتداء ? إنهم لا ينظرون هذه العجيبة الواقعة . عجيبة خلقهم الأول . ولو قد نظروها وتدبروها ما عجبوا أدنى عجب للخلق الجديد . ولكنهم ضالون لا يهتدون . ومن ثم يعقب على تشهيرهم وتعجيبهم تعقيباً شديداً مرهوباً :

( بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) . .

وقد يكون المقصود بالعذاب الذي هم فيه عذاب الآخرة ، فهو لتحققه كأنهم واقعون فيه ، وقوعهم في الضلال البعيد الذي لا يرجى معه اهتداء . . وقد يكون هذا تعبيراً عن معنى آخر . معنى أن الذين لا يؤمنون بالآخرة يعيشون في عذاب كما يعيشون في ضلال . وهي حقيقة عميقة . فالذي يعيش بلا عقيدة في الآخرة يعيش في عذاب نفسي . لا أمل له ولا رجاء في نصفة ولا عدل ولا جزاء ولا عوض عما يلقاه في الحياة . وفي الحياة مواقف وابتلاءات لا يقوى الإنسان على مواجهتها إلا وفي نفسه رجاء الآخرة ، وثوابها للمحسن وعقابها للمسيء . وإلا ابتغاء وجه الله والتطلع إلى رضاه في ذلك العالم الآخر ، الذي لا تضيع فيه صغيرة ولا كبيرة ( وإن تكن مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله ) . والذي يحرم هذه النافذة المضيئة الندية المريحة يعيش ولا ريب في العذاب كما يعيش في الضلال . يعيش فيهما وهو حي على هذه الأرض قبل أن يلقى عذاب الآخرة جزاء على هذا العذاب الذي لقيه في دنياه !

إن الإعتقاد بالآخرة رحمة ونعمة يهبهما الله لمن يستحقهما من عباده بإخلاص القلب ، وتحري الحق ، والرغبة في الهدى . وأرجح أن هذا هو الذي تشير إليه الآية ، وهي تجمع على الذين لا يؤمنون بالآخرة بين العذاب والضلال البعيد .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{أَفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِۦ جِنَّةُۢۗ بَلِ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ فِي ٱلۡعَذَابِ وَٱلضَّلَٰلِ ٱلۡبَعِيدِ} (8)

شرح الكلمات :

{ أم به جنة } : أي جنون تخيّل له بذلك .

{ بل الذين لا يؤمنون باللآخرة } : أي ليس الأمر كما يقول المشركون من افتراء الرسول أو في العذاب والضلال البعيد } جنونه بل الأمر الثابت والواقع أن الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب في الآخرة ، وفي الضلال البعيد في الدنيا .

المعنى :

{ أفترى على الله كذباً } أي محمد فكذب على الله هذا القول وزوره عنه وادعى أنه أخبره بوجود بعث جديد للناس بعد موتهم لحسابهم وجزائهم ؟ ! أم به جنة أي به مس من جنون فهي تخيل له صور البعث وما يجرى فيه وهو يخبر به ويدعو إلى الإِيمان به ؟ وهنا رد الله تعالى عليهم كذبهم وباطلهم فقال { بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد } أي ليس الأمر كما يقولون من أن النبي افترى على الله كذباً ، أو به جنون فتخيل له البعث وإنما الأمر الثابت والواقع المقطوع به أن الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب يوم القيامة . وفي الضلال البعيد اليوم في الدنيا وشؤمهم أتاهم من تكذيبهم بالآخرة .

الهداية :

من الهداية :

- تقرير البعث وأن المكذبين به محكوم عليهم بالعذاب فيه .