في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ} (14)

هنا يجيء التهديد الملفوف كما جاء في نهاية المقطع الماضي : ( ألم يعلم بأن الله يرى ? )يرى تكذيبه وتوليه . ويرى نهيه للعبد المؤمن إذا صلى ، وهو على الهدى ، آمر بالتقوى . يرى . وللرؤية ما بعدها ! ( ألم يعلم بأن الله يرى ! ) .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ} (14)

{ أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى } أرأيت في الموضع الذي قبله والذي بعده بمعنى أخبرني ، فكأنه سؤال يفتقر إلى جواب ، وفيها معنى التعجيب والتوقيف ، والخطاب فيها يحتمل أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل مخاطب من غير تعيين ، وهي تتعدى إلى مفعولين ، وجاءت بعدها إن الشرطية في موضعين وهما : قوله{ إن كان على الهدى } وقوله : { إن كذب وتولى } فيحتاج إلى الكلام في مفعولي { أرأيت } في المواضع الثلاثة ، وفي جواب الشرطين ، وفي الضمائر المتصلة بهذه الأفعال : وهي { إن كان على الهدى } و{ أمر بالتقوى } و{ كذب وتولى } على من تعود هذه الضمائر ، فقال الزمخشري : إن قوله : { الذي ينهى } هو المفعول الأول لقوله : { أرأيت } الأولى ، وأن الجملة الشرطية بعد ذلك في موضع المفعول الثاني وكررت { أرأيت } بعد ذلك للتأكيد ، فهي زائدة لا تحتاج إلى مفعول ، وإن قوله : { ألم يعلم بأن الله يرى } هو جواب قوله : { إن كذب وتولى } فهو في المعنى جواب للشرطين معا ، وأن الضمير في قوله : { إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى } للذي نهى عن الصلاة وهو أبو جهل ، وكذلك الضمير في قوله : { إن كذب وتولى } وتقدير الكلام على هذا أخبرني عن الذي ينهى عبدا إذا صلى إن كان هذا الناهي على الهدى ، أو كذب وتولى ، ألم يعلم بأن الله يرى جميع أحواله من هداه وضلاله وتكذيبه ونهيه عن الصلاة وغير ذلك ، فمقصود الآية : تهديد له وزجر وإعلام بأن الله يراه ، وخالفه ابن عطية في الضمائر فقال : إن الضمير في قوله : { إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى } للعبد الذي صلى ، وأن الضمير في قوله : { إن كذب وتولى } للذي نهى عن الصلاة ، وخالفه أيضا في جعله { أرأيت } الثانية مكررة للتأكيد ، وقال : إنها في المواضع الثلاثة توقيف ، وأن جوابه في المواضع الثلاثة قوله : { ألم يعلم بأن الله يرى } فإنه يصلح مع كل واحد منها ، ولكنه جاء في آخر الكلام اختصارا ، وخالفهما أيضا الغرنوي في الجواب فقال : إن جواب قوله : { إن كان على الهدى } محذوف فقال : إن تقديره إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أليس هو على الحق ، واتباعه واجب ، والضمير على هذا يعود على العبد الذي صلى وفاقا لابن عطية .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ} (14)

ولما عجب من حالته البعيدة عن العقل مع نفسه ومع أبناء جنسه ، أنكر عليه معجباً من كونه يعلم أنه ليس بيده شيء ، المنتج لأنه مراقب وحاله مضبوط غاية الضبط وينسى ذلك ، فقال ذاكراً مفعول " أرءيت " الثاني وهو لا يكون إلا جملة استفهامية : { ألم يعلم } أي يقع له عمل يوماً من الأيام { بأن الله } أي وهو الملك الأعلى { يرى * } أي له صفتا البصر والعلم على الإطلاق ، فهو يعلم كل معلوم ، ويبصر كل مبصر ، ومن كان له ذلك كان جديراً بأن يهلك من يراه على الضلال والإضلال ، وينصر من يطيع أمره على كل من يعاديه ، وإنما جاء هذا الاستفهام الإنكاري على هذا الوجه لأنهم يعترفون بكل ما أنكر عليهم فيه ، ويلزمهم بما يفعلون من عداوة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكونوا منكرين له ، وذلك هو عين التناقض الذي لا أشنع عندهم منه ، هذا ويمكن ، وهو أحسن ، أن تنزل الآية على الاحتباك ، فيقال : لما كان السؤال عن حال الناهي ؛ لأن الرؤية علمية لا بصرية ، فتشوف السامع إلى معرفتها ، وكان للناهي حالان : طاعة ومعصية ، بدأ بالأولى لشرفها على الأسلوب الماضي في التقرير على سبيل التعجيب فقال : { أرءيت } أي أخبرني { إن كان } الناهي ثابتاً في نهيه هذا متمكناً { على الهدى } أي الكامل { أو } كان قد { أمر } في ذلك الأمر أو في أمر ما من عبادة الأوثان وغيرها { بالتقوى } وحذف جواب السؤال عن هذا الحال لدلالة جواب الحال الثاني عليه ، وهو { ألم يعلم بأن الله يرى } كل ما يصح أن يرى ، فينهى عنه إن كان مكروهاً ، ولا يقر عليه ، ويحاسب به ، ليزن هذا الناهي أفعاله بما شرعه سبحانه من الدليل العقلي والسمعي ، فيعلم أهي مما يرضيه ليقره عليه كما يقر سائر ما يرضيه ، أو يسخطه فيمنعه منه .