غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَلَمۡ يَعۡلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ} (14)

1

والجواب بالحقيقة هو ما تدل عليه هذه الجملة الاستفهامية ، كأنه قيل : إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أو كذب وتولى فإن الله مجازيه . وقيل : إن جواب الشرط الأول شيء آخر يدل عليه سياق الكلام ، والمراد : أرأيت إن صار هذا الكافر على حالة الهدى ، أو أمر بالتقوى بدل النهي عن عبادة الله ، أما كان يليق به ذلك إذ هو رجل عاقل ذو ثروة . ففيه تعجيب من حاله أنه كيف فوت على نفسه مراتب الكمال والإكمال ، واختار بدلها طريقي الضلال والإضلال . وقيل : الخطاب في { أرأيت } الثاني للكافر كأن الظالم والمظلوم عبدان قاما بين يدي مولاهما ، أو هما اللذان حضرا عند الحاكم ، أحدهما المدعي والآخر المبدعى عليه ، فيخاطب هذا مرة ، وهذا مرة ، فلما قال للنبي صلى الله عليه وسلم : { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } التفت إلى الكافر وقال : أرأيت يا كافر إن كان صلاته هدى ودعاؤه إلى الدين أمراً بالتقوى أتنهاه مع ذلك ؟ ثم إن كان الخطاب في { أرأيت } الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم فالمعنى : أرأيت يا محمد إن كذب هذا الكافر بتلك الدلائل الواضحة وتولى عن خدمة خالقه ألم يعلم بعقله أن الله يرى منه هذه الأعمال القبيحة حتى يصير زاجراً عنها ؟ وإن كان الخطاب للكافر فالمراد إن كان محمد كاذباً أو متوالياً ألا يعلم أن خالقه يراه حتى ينتهي فلا يحتاج إلى نهيك ؟ قالت العلماء : هذه الآية وإن نزلت في حق أبي جهل إلا أن كل من ينهى عن طاعة الله فهو شريك في وعيد أبي جهل ، ولا يرد عليه المنع عن الصلاة في الدار المغصوبة وفي الأوقات المكروهة ومنع المولى عبده عن قيام الليل وصلاة التطوع وزوجته عن الاعتكاف ؛ لأن ذلك لاستيفاء مصالح أخرى بإذن الله وحده .

/خ19