اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَمۡ يَعۡلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ} (14)

ثم قال : ويله { ألَمْ يَعْلمْ } أبو جهل { بأنَّ الله يَرَى } ، أي : يراه ويعلم فعله ، فهو تقريع وتوبيخ .

قال ابن الخطيب{[60548]} : هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التعجب ، وفي وجه هذا التعجب وجوه :

أحدها : أنه صلى الله عليه وسلم قال : «اللَّهُمَّ أعزَّ الإسلامَ بأبِي جَهلٍ أو بِعُمَرَ »{[60549]} ، فقيل : أبمثل هذا يعزّ الإسلام وهو ينهى عبداً إذا صلى .

الثاني : أنه كان يلقب بأبي الحكمِ . فقيل : كيف يلقب بهذا وهو ينهى عن الصلاة .

الثالث : أنه كان يأمر وينهى ويعتقد وجوب طاعته ، ثم إنه ينهى عن طاعة الربِّ تعالى ، وهذا عين الحماقة والتكبُّر ، ف «عبداً » يدل على التعظيم ، كأنه قيل : [ ينهى أشد الخلق عبودية عن العبادة ، وهذا عين الجهل ، ولهذا لم يقل : ] {[60550]} ينهاك ، وأيضاً فإن هذا يدل على أن هذه عادته ، ودأبه ، فهو أبلغ في الذم أيضاً فهذا عام في كل من نهى عن الصلاة . وروي عن عليٍّ - رضي الله عنه - أنه رأى أقواماً يصلون قبل صلاة العيد ، فقال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، فقيل له : ألا تنهاهم ، فقال : أخشى أن أدخل في قوله تعالى : { أَرَأَيْتَ الذي ينهى عَبْداً إِذَا صلى } [ العلق : 9 ، 10 ] ، فلم يصرح أيضاً بالنهي عن الصلاة{[60551]} .

وأيضاً فيه إجلال لمنصب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينهاه رجل لا سيما مثل هذا .


[60548]:ينظر الفخر الرازي (32/21).
[60549]:أخرجه الترمذي (5/577)، كتاب: المناقب، باب: في مناقب عمر حديث (3683) من طريق النضر أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه وقد تكلم بعضهم في النضر أبي عمر وهو يروي مناكير من قبل حفظه. وأخرجه البغوي في "شرح السنة" (7/188، 189) من هذا الوجه.
[60550]:سقط من: أ.
[60551]:ذكره الرازي في "تفسيره" (32/21).