{ أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } : تقدم أنه أبو جهل .
قال ابن عطية : ولم يختلف أحد من المفسرين أن الناهي أبو جهل ، وأن العبد المصلي وهو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، انتهى .
وفي الكشاف ، وقال الحسن : هو أمية بن خلف ، كان ينهى سلمان عن الصلاة .
وقال التبريزي : المراد بالصلاة هنا صلاة الظهر .
قيل : هي أول جماعة أقيمت في الإسلام ، كان معه أبو بكر وعليّ وجماعة من السابقين ، فمرّ به أبو طالب ومعه ابنه جعفر ، فقال له : صل جناح ابن عمك وانصرف مسروراً ، وأنشأ أبو طالب يقول :
إن علياً وجعفراً ثقتي *** عند ملم الزمان والكرب
والله لا أخذل النبي ولا *** يخذله من يكون من حسبي
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما *** أخي لأمّي من بينهم وأبي
ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك .
والخطاب في { أرأيت } الظاهر أنه للرسول صلى الله عليه وسلم ، وكذا { أرأيت } الثاني ، والتناسق في الضمائر هو الذي يقتضيه النظم .
وقيل : { أرأيت } خطاب للكافر التفت إلى الكافر فقال : أرأيت يا كافر ، إن كانت صلاته هدى ودعاء إلى الله وأمراً بالتقوى ، أتنهاه مع ذلك ؟ والضمير في { إن كان } ، وفي { إن كذب } عائد على الناهي .
وقال ابن عطية : الضمير في { إن كان على الهدى } عائد على المصلي ، وقاله الفراء وغيره .
قال الزمخشري : ومعناه أخبرني عن من ينهى بعض عباد الله عن صلاته إن كان ذلك الناهي على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة الله ، وكان آمراً بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد ، وكذلك إن كان على التكذيب للحق والتولي عن الدّين الصحيح ، كما نقول نحن . { ألم يعلم بأن الله يرى } ، ويطلع على أحواله من هداة وضلالة ، فيجازيه على حسب ذلك ، وهذا وعيد ، انتهى .
قال الفراء : المعنى { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } ، وهو على الهدى وأمر بالتقوى ، والناهي مكذب متول عن الذكر ، أي فما أعجب هذا ألم يعلم أبو جهل بأن الله تعالى يراه ويعلم فعله ؟ فهذا تقرير وتوبيخ ، انتهى .
وقال : من جعل الضمير في { إن كان } عائداً على المصلي ، إنما ضم إلى فعل الصلاة الأمر بالتقوى ، لأن أبا جهل كان يشق عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن : الصلاة والدعاء إلى الله تعالى ، ولأنه كان صلى الله عليه وسلم لا يوجد إلا في أمرين : إصلاح نفسه بفعل الصلاة ، وإصلاح غيره بالأمر بالتقوى .
وقال ابن عطية : { ألم يعلم بأن الله يرى } : إكمال التوبيخ والوعيد بحسب التوفيقات الثلاثة يصلح مع كل واحد منها ، يجاء بها في نسق .
ثم جاء بالوعيد الكافي بجميعها اختصاراً واقتضاباً ، ومع كل تقرير تكلمة مقدرة تتسع العبارات فيها ، وألم يعلم دال عليها مغن .
وقال الزمخشري : فإن قلت : ما متعلق { أرأيت } ؟ قلت : { الذي ينهى } مع الجملة الشرطية ، وهما في موضع المفعولين .
فإن قلت : فأين جواب الشرط ؟ قلت : هو محذوف تقديره : { إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى } ، { ألم يعلم بأن الله يرى } ، وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني .
فإن قلت : فكيف صح أن يكون { ألم يعلم } جواباً للشرط ؟ قلت : كما صح في قولك : إن أكرمتك أتكرمني ؟ وإن أحسن إليك زيد هل تحسن إليه ؟ فإن قلت : فما { أرأيت } الثانية وتوسطها بين مفعولي { أرأيت } ؟ قلت : هي زائدة مكررة للتوكيد ، انتهى .
وقد تكلمنا على أحكام { أرأيت } بمعنى أخبرني في غير موضع منها التي في سورة الأنعام ، وأشبعنا الكلام عليها في شرح التسهيل .
وما قرره الزمخشري هنا ليس بجار على ما قررناه ، فمن ذلك أنه ادعى أن جملة الشرط في موضع المفعول الواحد ، والموصول هو الآخر ، وعندنا أن المفعول الثاني لا يكون إلا جملة استفهامية ، كقوله : { أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلاً وأكدى أعنده علم الغيب } { أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً أطلع الغيب } { أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه } وهو كثير في القرآن ، فتخرج هذه الآية على ذلك القانون ، ويجعل مفعول { أرأيت } الأولى هو الموصول ، وجاء بعده { أرأيت } ، وهي تطلب مفعولين ، وأرأيت الثانية كذلك ؛ فمفعول { أرأيت } الثانية والثالثة محذوف يعود على { الذي ينهى } فيهما ، أو على { عبداً } في الثانية ، وعلى { الذي ينهى } في الثالثة على الاختلاف السابق في عود الضمير ، والجملة الاستفهامية توالى عليها ثلاثة طوالب ، فنقول : حذف المفعول الثاني لأرأيت ، وهو جملة الاستفهام الدال عليه الاستفهام المتأخر لدلالته عليه .
حذف مفعول أرأيت الأخير لدلالة مفعول أرأيت الأولى عليه .
وحذفاً معاً لأرأيت الثانية لدلالة الأول على مفعولها الأول ، ولدلالة الآخر لأرأيت الثالثة على مفعولها الآخر .
وهؤلاء الطوالب ليس طلبها على طريق التنازع ، لأن الجمل لا يصح إضمارها ، وإنما ذلك من باب الحذف في غير التنازع .
وأما تجويز الزمخشري وقوع جملة الاستفهام جواباً للشرط بغير فاء ، فلا أعلم أحداً أجازه ، بل نصوا على وجوب الفاء في كل ما اقتضى طلباً بوجه مّا ، ولا يجوز حذفها إلا إن كان في ضرورة شعر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.