ولا يذكر السياق شيئا عن مراجعة هذا السجل تعجيلا بتوقيع الحكم وتنفيذه . إنما يذكر مباشرة النطق العلوي الكريم ، للملكين الحافظين : السائق والشهيد : ( ألقيا في جهنم كل كفار عنيد . مناع للخير معتد مريب . الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد ) . . وذكر هذه النعوت يزيد في حرج الموقف وشدته . فهو دلالة غضب الجبار القهار في الموقف العصيب الرهيب ؛ وهي نعوت قبيحة مستحقة لتشديد العقوبة : كفار . عنيد . مناع للخير . معتد . مريب .
فعند ذلك يحكم الله ، سبحانه تعالى ، في الخليقة بالعدل فيقول : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ }
وقد اختلف النحاة في قوله : { ألقيا } فقال بعضهم : هي لغة لبعض العرب يخاطبون المفرد بالتثنية ، كما روي عن الحجاج أنه كان يقول : يا حرسي ، اضربا عنقه ، ومما أنشد ابن جرير على هذه اللغة قول الشاعر :
فإن تزجراني - يا ابن عفان – أنزجر *** وإن تتركاني أحم عرضا ممنعا{[27313]}
وقيل : بل هي نون التأكيد ، سهلت إلى الألف . وهذا بعيد ؛ لأن هذا إنما يكون في الوقف ، والظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد ، فالسائق أحضره إلى عرصة الحساب ، فلما أدى الشهيد عليه ، أمرهما الله تعالى بإلقائه في نار جهنم وبئس المصير .
{ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } أي : كثير الكفر والتكذيب بالحق ، { عنيد } : معاند للحق ، معارض له بالباطل مع علمه بذلك .
انتقال من خطاب النفس إلى خطاب الملكين الموكليْن السائق والشهيد . والكلام مقول قول محذوف . والجملة استئناف ابتدائي انتقال من خطاب فريق إلى خطاب فريق آخر ، وصيغة المثنى في قوله : { ألْقِيا } تجوز أن تكون مستعملة في أصلِها فيكون الخطاب للسائق والشهيد . ويجوز أن تكون مستعملة في خطاب الواحد وهو الملك الموكّل بجهنّم وخُوطب بصيغةِ المثنّى جريْا على طريقة مستعملة في الخطاب جرت على ألسنتهم لأنهم يكثر فيهم أن يرافق السائرَ رفيقان ، وهي طريقة مشهورة ، كما قال امرؤ القيس :
قفا نبك من ذكرَى حبيب ومنزل ***
وقولهم : يا خليلَيَّ ، ويا صاحبَيّ . والمبرد يرى أن تثنية الفاعل نُزلت منزلة تثنية الفعل لاتحادهما كأنه قيل : ألْققِ ألْققِ للتأكيد . وهذا أمر بأن يُعم الإلقاءُ في جهنم كلّ كفار عنيد ، فيعلم منه كلُّ حاضر في الحشر من هؤلاء أنه مَدفوع به إلى جهنم .
والكفَّار : القوي الكفر ، أي الشرك .
والعنيد : القوي العناد ، أي المكابرة والمدافعة للحق وهو يعلم أنه مبطل .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"أَلْقِيا فِي جَهَنّمَ كُلّ كَفّارٍ عَنِيدٍ "فيه متروك استغنى بدلالة الظاهر عليه منه، وهو: يقال ألقيا في جهنم، أو قال تعالى: ألقيا، فأخرج الأمر للقرين، وهو بلفظ واحد مخرج خطاب الاثنين. وفي ذلك وجهان من التأويل: أحدهما: أن يكون القرين بمعنى الاثنين، كالرسول، والاسم الذي يكون بلفظ الواحد في الواحد، والتثنية والجمع، فردّ قوله: "أَلْقِيا في جَهَنّمَ" إلى المعنى. والثاني: أن يكون كما كان بعض أهل العربية يقول، وهو أن العرب تأمر الواحد والجماعة بما تأمر به الاثنين، فتقول للرجل ويلك أرحلاها وازجراها...
قال: فيروي أن ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة، فجرى كلام الواحد على صاحبيه...
"كُلّ كَفّارٍ عَنِيدٍ" يعني: كل جاحد وحدانية الله عنيد، وهو العاند عن الحقّ وسبيل الهدى.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{أَلْقِيَا} خطاب من الله تعالى للملكين السابقين: السائق والشهيد...
{كل كفار عنيد} الكفار يحتمل أن يكون من الكفران فيكون بمعنى كثير الكفران، ويحتمل أن يكون من الكفر، فيكون بمعنى شديد الكفر، والتشديد في لفظة فعال يدل على شدة في المعنى...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ألقيا} أي اطرحا دفعاً من غير شفقة... {في جهنم} أي النار التي تلقى الملقى فيها بما كان يعامل به عباد الله من الكبر والعبوسة والتكره والتعصب... {كل كفار عنيد} أي مبالغ في ستر الحق والمعاداة لأهله من غير حجة حمية وأنفة نظراً إلى استحسان ما عنده والثبات عليه تجبراً وتكبراً على ما عند غيره ازدراء له كائناً من كان.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(ألقيا في جهنم كل كفار عنيد. مناع للخير معتد مريب. الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد).. وذكر هذه النعوت يزيد في حرج الموقف وشدته. فهو دلالة غضب الجبار القهار في الموقف العصيب الرهيب؛ وهي نعوت قبيحة مستحقة لتشديد العقوبة: كفار. عنيد. مناع للخير. معتد. مريب.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.